للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَمَا أَنَّ الْغَرَرَ وَتَصَفُّحَ الْأَدِلَّةِ لِأَبِي الْحُسَيْنِ زَبُورُ الْمُسْتَأْخِرِينَ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَكَمَا أَنَّ الْإِشَارَاتِ لِابْنِ سِينَا زَبُورُ الْمُسْتَأْخِرِينَ مِنْ الْفَلَاسِفَةِ تَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ. وَإِنْ كَانَتْ طَائِفَةُ أَبِي الْمَعَالِي أَمْثَلَ وَأَوْلَى بِالْإِسْلَامِ

قَالَ فَصْلٌ فِي الْأَسْمَاءِ وَالْأَحْكَامِ، اعْلَمُوا أَنَّ غَرَضَنَا مِنْ هَذَا الْفَصْلِ يَسْتَدْعِي ذِكْرَ حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ وَهَذَا مِمَّا تَبَايَنَتْ فِيهِ مَذَاهِبُ الْإِسْلَامِيِّينَ فَذَهَبَ الْخَوَارِجُ إلَى أَنَّ الْإِيمَانَ هُوَ الطَّاعَةُ وَمَالَ إلَى ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَاخْتَلَفَتْ مَذَاهِبُهُمْ فِي تَسْمِيَةِ النَّوَافِلِ إيمَانًا.

وَصَارَ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ إلَى أَنَّ الْإِيمَانَ مَعْرِفَةٌ بِالْجَنَانِ وَإِقْرَارٌ بِاللِّسَانِ وَعَمَلٌ بِالْأَرْكَانِ، وَذَهَبَ بَعْضُ الْقُدَمَاءِ إلَى أَنَّ الْإِيمَانَ هُوَ الْمَعْرِفَةُ بِالْقَلْبِ وَالْإِقْرَارُ بِهَا وَذَهَبَتْ الْكَرَّامِيَّةُ إلَى أَنَّ الْإِيمَانَ هُوَ الْإِقْرَارُ بِاللِّسَانِ فَحَسْبُ وَمُضْمِرُ الْكُفْرِ إذَا أَظْهَرَ الْإِيمَانَ مُؤْمِنٌ حَقًّا عِنْدَهُمْ غَيْرَ أَنَّهُ يَسْتَوْجِبُ الْخُلُودَ فِي النَّارِ وَلَوْ أَضْمَرَ الْإِيمَانَ وَلَمْ يُتَيَقَّنْ مِنْهُ إظْهَارُهُ فَهُوَ لَيْسَ بِمُؤْمِنٍ وَلَهُ الْخُلُودُ فِي الْجَنَّةِ. قَالَ وَالْمَرْضِيُّ عِنْدَنَا أَنَّ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ التَّصْدِيقُ بِاَللَّهِ فَالْمُؤْمِنُ بِاَللَّهِ مَنْ صَدَّقَهُ ثُمَّ التَّصْدِيقُ عَلَى الْحَقِيقَةِ كَلَامُ النَّفْسِ وَلَا يَثْبُتُ كَلَامُ النَّفْسِ كَذَلِكَ إلَّا مَعَ الْعِلْمِ فَإِنَّا أَوْضَحْنَا أَنَّ كَلَامَ النَّفْسِ يَثْبُتُ عَلَى حَسَبِ الِاعْتِقَادِ.

وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ هُوَ التَّصْدِيقُ صَرِيحُ اللُّغَةِ وَأَصْلُ الْعَرَبِيَّةِ وَهُوَ لَا يُنْكَرُ فَيَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِهِ وَمِنْ التَّنْزِيلِ: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ} [يوسف: ١٧] مَعْنَاهُ مَا أَنْتَ بِمُصَدِّقٍ لَنَا ثُمَّ الْغَرَضُ مِنْ هَذَا الْفَصْلِ أَنَّ مَنْ خَالَفَ أَهْلَ الْحَقِّ لَمْ يَصِفْ الْفَاسِقَ بِكَوْنِهِ مُؤْمِنًا فَقَدْ صَرَّحَ بِأَنَّ كَلَامَ النَّفْسِ لَا يَثْبُتُ إلَّا مَعَ الْعِلْمِ وَأَنَّهُ إنَّمَا يَثْبُتُ عَلَى حَسَبِ الِاعْتِقَادِ وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ وَلَا يَكُونُ عَلَى خِلَافِ الْمُعْتَقَدِ وَهَذَا يُنَاقِضُ مَا أَثْبَتُوا بِهِ كَلَامَ النَّفْسِ وَادَّعَوْا أَنَّهُ مُغَايِرٌ لِلْعِلْمِ، وَقَالَ صَاحِبُهُ أَبُو الْقَاسِمِ الْأَنْصَارِيُّ شَيْخُ الشِّهْرِسْتَانِيّ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ شَرْحَ قَوْلِ الْخَوَارِجِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَالْكَرَّامِيَّةِ، قَالَ وَأَمَّا مَذَاهِبُ أَصْحَابِنَا فَصَارَ أَهْلُ التَّحْقِيقِ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَالنُّظَّارُ مِنْهُمْ إلَى أَنَّ الْإِيمَانَ هُوَ التَّصْدِيقُ وَبِهِ قَالَ شَيْخُنَا أَبُو الْحَسَنِ وَاخْتَلَفَ جَوَابُهُ فِي مَعْنَى التَّصْدِيقِ فَقَالَ مَرَّةً هُوَ الْمَعْرِفَةُ بِوُجُودِهِ وَقِدَمِهِ وَإِلَهِيَّته وَقَالَ مَرَّةً التَّصْدِيقُ

<<  <  ج: ص:  >  >>