للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَوْلٌ فِي النَّفْسِ غَيْرَ أَنَّهُ يَتَضَمَّنُ الْمَعْرِفَةَ وَلَا يُوجَدُ دُونَهَا وَهَذَا مِمَّا ارْتَضَاهُ الْقَاضِي فَإِنَّ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ وَالتَّصْدِيقَ وَالتَّكْذِيبَ بِالْأَقْوَالِ أَجْدَرُ فَالتَّصْدِيقُ إذًا قَوْلٌ فِي النَّفْسِ وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِاللِّسَانِ فَتُوصَفُ الْعِبَارَةُ بِأَنَّهَا تَصْدِيقٌ لِأَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ التَّصْدِيقِ هَذَا مَا حَكَاهُ شَيْخُنَا الْإِمَامُ.

قُلْت: فَقَدْ ذَكَرَ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: إنَّ التَّصْدِيقَ هُوَ الْمَعْرِفَةُ وَهَذَا قَوْلُ جَهْمٍ.

وَالثَّانِي: إنَّ التَّصْدِيقَ قَوْلٌ فِي النَّفْسِ يَتَضَمَّنُ الْمَعْرِفَةَ وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ الْبَاقِلَّانِيِّ وَابْنِ الْجُوَيْنِيِّ وَهَؤُلَاءِ قَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ الْمَعْرِفَةَ وَلَا يَنْتَصِرُ أَنْ يَقُومَ فِي النَّفْسِ تَصْدِيقُ مُخَالِفٍ لِمَعْرِفَةٍ كَمَا ذَكَرُوهُ وَلَوْ جَازَ أَنْ يُصَدَّقَ بِنَفْسِهِ بِخِلَافِ عِلْمِهِ وَاعْتِقَادِهِ لَانْتُقِضَ أَصْلُهُمْ فِي الْإِيمَانِ إذَا كَانَ التَّصْدِيقُ لَا يُنَافِي اعْتِقَادَ خِلَافِ مَا صَدَّقَ بِهِ فَلَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُؤْمِنًا بِمُجَرَّدِ تَصْدِيقِ النَّفْسِ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ وَكُلٌّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ يَنْقُضُ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ التَّصْدِيقَ غَيْرُ الْعِلْمِ.

قَالَ النَّيْسَابُورِيُّ وَحَكَى الْإِمَامُ أَبُو الْقَاسِمِ الْإسْفَرايِينِيّ اخْتِلَافًا عَنْ أَصْحَابِ أَبِي الْحَسَنِ فِي التَّصْدِيقِ ثُمَّ قَالَ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْأَقَاوِيلِ فِي مَعْنَى التَّصْدِيقِ مَا يُوَافِقُ اللُّغَةَ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ بِالْإِيمَانِ وَرَدَ بِمَا يُوَافِقُ اللُّغَةَ وَالْإِيمَانُ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ عَلَى مُوَافَقَةِ اللُّغَةِ هُوَ الْعِلْمُ بِأَنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ صَادِقَانِ فِي جَمِيعِ مَا أَخْبَرَا بِهِ وَالْإِيمَانُ فِي اللُّغَةِ مُطْلَقًا هُوَ اعْتِقَادُ صِدْقِ الْمُخْبِرِ فِي خَبَرِهِ إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ هَذَا التَّصْدِيقَ عِلْمًا وَلَا يَكْفِي أَنْ يَكُونَ اعْتِقَادًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ عِلْمًا لِأَنَّ مَنْ صَدَّقَ الْكَاذِبَ وَاعْتَقَدَ صِدْقَهُ فَقَدْ آمَنَ بِهِ وَلِهَذَا قَالَ فِي صِفَةِ الْيَهُودِ: {يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} [النساء: ٥١] يَعْنِي يَعْتَقِدُونَ صِدْقَهُمَا. قُلْت لَيْسَ الْغَرَضُ هُنَا ذِكْرُ تَنَاقُضِهِمْ فِي مُسَمَّى الْإِيمَانِ وَفِي التَّصْدِيقِ هَلْ هُوَ التَّصْدِيقُ بِوُجُودِ اللَّهِ وَقِدَمِهِ وَإِلَهِيَّته كَمَا قَالَهُ الْأَشْعَرِيُّ أَوْ هُوَ تَصْدِيقٌ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ كَمَا ذَكَرَهُ غَيْرُهُ، أَوْ التَّنَاقُضُ كَمَا فِي كَلَامِ صَاحِبِ الْإِرْشَادِ حَيْثُ قَالَ: الْإِيمَانُ هُوَ التَّصْدِيقُ بِاَللَّهِ فَالْمُؤْمِنُ بِاَللَّهِ مَنْ صَدَّقَهُ فَجَعَلَ التَّصْدِيقَ بِوُجُودِهِ هُوَ تَصْدِيقُهُ فِي خَبَرِهِ مَعَ تَبَايُنِ الْحَقِيقَتَيْنِ فَإِنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ التَّصْدِيقِ بِوُجُودِ الشَّيْءِ وَتَصْدِيقِهِ وَلِهَذَا يُفَرِّقُ الْقُرْآنُ بَيْنَ

<<  <  ج: ص:  >  >>