للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ وَبَيْنَ الْإِيمَانِ لِلرَّسُولِ إذْ الْأَوَّلُ هُوَ الْإِقْرَارُ بِذَلِكَ وَالثَّانِي هُوَ الْإِقْرَارُ لَهُ كَمَا فِي قَوْلِهِ: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا} [يوسف: ١٧] . وَفِي قَوْلِهِ: {يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ} [التوبة: ٦١] .

وَفِي قَوْلِهِ: {لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ} [التوبة: ٩٤] . وَقَدْ قَالَ: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ} [الأعراف: ١٥٨] . فَمَيَّزَ الْإِيمَانَ بِهِ مِنْ الْإِيمَانِ بِكَلِمَاتِهِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} [البقرة: ١٣٦] الْآيَةَ وَقَوْلُهُ {كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ} [البقرة: ٢٨٥] فَلَيْسَ الْغَرَضُ أَنَّهُمْ لَمْ يَهْتَدُوا لِمِثْلِ هَذَا فِي مِثْلِ هَذَا الْأَصْلِيِّ الَّذِي لَمْ يَعْرِفُوا فِيهِ لَا الْإِيمَانَ وَلَا الْقُرْآنَ وَهُمَا نُورُ اللَّهِ الَّذِي بَعَثَ بِهِ رَسُولَهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى: ٥٢] {صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأُمُورُ} [الشورى: ٥٣] .

وَإِنَّمَا الْغَرَضُ أَنَّ التَّصْدِيقَ قَدْ صَرَّحَ هَؤُلَاءِ بِأَنَّهُ هُوَ الْعِلْمُ أَوْ هُوَ الِاعْتِقَادُ إذَا لَمْ يَكُنْ عِلْمًا وَأَنَّهُمْ مُضْطَرُّونَ إلَى أَنْ يَقُولُوا ذَلِكَ وَهُوَ أَبْلَغُ مِنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ مُسْتَلْزِمٌ لِلْعِلْمِ فِي تَمَامِ مَا ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ الْإسْفَرايِينِيّ.

وَقَالَ حَكَى الْإِمَامُ أَبُو بَكْرِ بْنُ فُورَكٍ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ الْإِيمَانُ هُوَ اعْتِقَادُ صِدْقِ الْمُخْبِرِ فِيمَا يُخْبِرُ بِهِ ثُمَّ مِنْ الِاعْتِقَادِ مَا هُوَ عِلْمٌ وَمِنْهُ مَا لَيْسَ بِعِلْمٍ فَالْإِيمَانُ بِاَللَّهِ هُوَ اعْتِقَادُ صِدْقِهِ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا كَانَ عَالِمًا بِصِدْقِهِ فِي إخْبَارِهِ وَإِنَّمَا يَكُونُ كَذَلِكَ إذَا كَانَ عَالِمًا بِأَنَّهُ مُتَكَلِّمٌ وَالْعِلْمُ بِأَنَّهُ مُتَكَلِّمٌ بَعْدَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ حَيٌّ وَالْعِلْمُ بِأَنَّهُ حَيٌّ بَعْدَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ فَاعِلٌ وَبَعْدَ الْعِلْمِ بِالْفِعْلِ وَكَوْنُ الْعَالَمِ فِعْلًا لَهُ وَذَلِكَ يَتَضَمَّنُ الْعِلْمَ بِكَوْنِهِ قَادِرًا وَعَالِمًا وَلَهُ عِلْمٌ وَمُرِيدًا وَلَهُ إرَادَةً وَسَائِرُ مَا لَا يَصِحُّ الْعِلْمُ بِاَللَّهِ تَعَالَى إلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ بِهِ مِنْ شَرَائِطِ الْإِيمَانِ. قَالَ ثُمَّ السَّمْعُ قَدْ وَرَدَ بِضَمِّ شَرَائِطَ أُخَرَ إلَيْهِ وَهُوَ أَنْ لَا يَقْتَرِنَ بِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى كُفْرِ مَنْ يَأْتِيهِ فِعْلًا وَتَرْكًا وَهُوَ أَنَّ الشَّرْعَ أَمَرَهُ بِتَرْكِ السُّجُودِ وَالْعِبَادَةِ لِلصَّنَمِ فَلَوْ أَتَى بِهِ دَلَّ عَلَى كُفْرِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَتَلَ نَبِيًّا أَوْ اسْتَخَفَّ بِهِ دَلَّ عَلَى كُفْرِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ تَرَكَ تَعْظِيمَ الْمُصْحَفِ وَالْكَعْبَةِ دَلَّ عَلَى كُفْرِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ خَالَفَ إجْمَاعَ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ فِي شَيْءٍ أَجْمَعُوا عَلَيْهِ دَلَّ خِلَافُهُ إيَّاهُمْ عَلَى كُفْرِهِ فَأَيُّ وَاحِدٍ مِمَّا اسْتَدْلَلْنَا بِهِ عَلَى كُفْرِهِ مِمَّا مَنَعَ الشَّرْعُ أَنْ يَقْرِنَهُ بِالْإِيمَانِ إذَا وَجَبَ ضَمُّهُ إلَى الْإِيمَانِ لَوْ وُجِدَ، دَلَّنَا ذَلِكَ عَلَى أَنَّ التَّصْدِيقَ الَّذِي هُوَ الْإِيمَانُ مَفْقُودٌ مِنْ قَلْبِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>