للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَكَذَلِكَ كُلُّ مَا كَفَّرْنَا بِهِ الْمُخَالِفَ مِنْ طَرِيقِ التَّأْوِيلِ فَإِنَّمَا كَفَّرْنَاهُ بِهِ لِدَلَالَتِهِ عَلَى فَقْدِ مَا هُوَ إيمَانٌ مِنْ قَلْبِهِ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَقْضِيَ السَّمْعُ بِكُفْرِ مَنْ مَعَهُ الْإِيمَانُ، وَالتَّصْدِيقُ بِقَلْبِهِ.

قَالَ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ بِالْمُوَافَاةِ فَيُشْتَرَطُ فِي الْإِيمَانِ الْحَقِيقِيِّ أَنْ يُوَافِيَ رَبَّهُ بِهِ وَيَخْتِمَ عَلَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَجْعَلْ ذَلِكَ شَرْطًا فِيهِ فِي الْحَالِ وَهَلْ يُشْتَرَطُ فِي الْإِيمَانِ الْإِقْرَارُ اخْتَلَفُوا فِيهِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّ تَرْكَ الْعِنَادِ شَرْطٌ وَهُوَ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّهُ مَتَى طُولِبَ بِالْإِقْرَارِ فَأَتَى بِهِ أَمَّا قَبْلَ أَنْ يُطَالَبَ بِهِ، مِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا بُدَّ مِنْ الْإِتْيَانِ بِهِ حَتَّى يَكُونَ مُؤْمِنًا وَهَذَا الْقَائِلُ يَقُولُ التَّصْدِيقُ هُوَ الْمَعْرِفَةُ وَالْإِقْرَارُ جَمِيعًا وَهَذَا قَوْلُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَضْلِ الْبَجَلِيِّ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَيَقْرَبُ مِنْ هَذَا مَا كَانَ يَقُولُهُ الْإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ مِنْ مُتَقَدِّمِي أَصْحَابِنَا وَنَحْنُ نَقُولُ مَنْ أَتَى التَّصْدِيقَ بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ فَهُوَ الْمُؤْمِنُ بَاطِنًا وَظَاهِرًا وَمَنْ صَدَّقَ بِقَلْبِهِ وَامْتَنَعَ مِنْ الْإِقْرَارِ فَهُوَ مُعَانِدٌ كَافِرٌ يَكْفُرُ كُفْرَ عِنَادٍ وَمَنْ أَقَرَّ بِلِسَانِهِ وَجَحَدَ بِقَلْبِهِ فَهُوَ كَافِرٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ نَفْسِهِ وَيَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْإِيمَانِ لِمَا أَظْهَرَ مِنْ عَلَامَاتِ الْإِيمَانِ.

وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ جَعَلَ الْمَعَارِفَ مَجْمُوعَةً تَصْدِيقًا وَاحِدًا وَهُوَ الْمَعْرِفَةُ بِاَللَّهِ وَصِفَاتِهِ وَرَسُولِهِ وَأَنَّ دِينَ الْإِسْلَامِ حَقٌّ: قَالَ وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ تَصْدِيقٌ وَاحِدٌ ثُمَّ قَالَ هَذَا مَا ذَكَرَهُ أَبُو الْقَاسِمِ الْإسْفَرايِينِيّ، قُلْت لَيْسَ الْمَقْصُودُ هُنَا بَيَانَ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ قَوْلِ الْجَهْمِيَّةِ وَالْمُرْجِئَةِ فِي الْإِيمَانِ وَمَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّنَاقُضِ حَيْثُ جَعَلَهُ التَّصْدِيقَ الَّذِي فِي الْقَلْبِ ثُمَّ سَلَبَهُ عَمَّنْ تَرَكَ النُّطْقَ عِنَادًا وَأَنَّ عِنْدَهُ كُلُّ مَا سُمِّيَ كُفْرًا فَلِأَنَّهُ مُسْتَلْزِمٌ لِعَدَمِ هَذَا التَّصْدِيقِ لَكِنَّ دَلَالَتَهُ عَلَى الْعَدَمِ تُعْلَمُ تَارَةً بِالْعَقْلِ وَتَارَةً بِالشَّرْعِ لِأَنَّ مَا يَقُومُ بِالْقَلْبِ مِنْ الِاسْتِكْبَارِ عَلَى اللَّهِ وَالْبُغْضِ لَهُ وَلِرُسُلِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ يَكُونُ هُوَ فِي نَفْسِهِ كُفْرًا وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ التَّصْدِيقِ الْخَاصِّ الَّذِي وَصَفُوهُ وَهُوَ تَصْدِيقٌ بِأُصُولِ الْكَلَامِ الَّذِي وَضَعُوهُ وَإِنَّمَا الْغَرَضُ أَنَّهُمْ يَجْعَلُونَ التَّصْدِيقَ هُوَ نَفْسُ الْمَعْرِفَةِ كَمَا فِي كَلَامِ هَذَا وَغَيْرُهُ وَكَمَا ذَكَرُوهُ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ وَغَايَتُهُمْ إذَا لَمْ يَجْعَلُوهُ مُسْتَلْزِمًا لِلْمَعْرِفَةِ أَنْ يَجْعَلُوهُ مُسْتَلْزَمًا لَهَا. قَالَ النَّيْسَابُورِيُّ وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي الْمُخْتَصَرِ. الْإِيمَانُ فِي اللُّغَةِ وَالشَّرِيعَةِ التَّصْدِيقُ، وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إلَّا بِالْمَعْرِفَةِ وَالْإِقْرَارِ، وَتَقُومُ الْإِشَارَةُ وَالِانْقِيَادُ مُقَامَ الْعِبَارَةِ، قَالَ وَتَحْقِيقُ الْمَعْرِفَةِ تَحْصِيلُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْمَسَائِلِ فِي هَذَا الْكِتَابِ وَتَحْقِيقُهُ قَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>