للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّيْسَابُورِيُّ أَرَادَ بِالْكِتَابِ هُوَ الْمُخْتَصَرُ وَأَشَارَ بِمَا قَدَّمَهُ فِيهِ إلَى جُمْلَةِ مَا قَدَّمَهُ مِنْ قَوَاعِدِ الْعَقَائِدِ. قَالَ: وَقَالَ فِي هَذَا الْكِتَابِ الْإِيمَانُ هُوَ الْمَعْرِفَةُ، وَاعْتِقَادُ الْإِقْرَارِ عِنْدَ الْحَاجَةِ أَوْ مَا يَقُومُ مُقَامَ الْإِقْرَارِ فِي كِتَابِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مَا يَسْتَحِقُّ بِهِ الْمُكَلَّفُ اسْمَ الْإِيمَانِ فِي الشَّرِيعَةِ أَوْصَافٌ كَثِيرَةٌ وَعَقَائِدُ مُخْتَلِفَةٌ، وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِيهَا عَلَى تَفْصِيلٍ ذَكَرْنَاهُ وَاخْتَلَفُوا فِي إضَافَةِ مَا لَا يَدْخُلُ فِي جُمْلَةِ التَّصْدِيقِ إلَيْهِ لِصِحَّةِ الِاسْمِ فَمِنْهَا تَرْكُ قَتْلِ الرَّسُولِ وَتَرْكُ تَعْظِيمِهِ وَتَرْكُ تَعْظِيمِ الْأَصْنَامِ فَهَذَا مِنْ التُّرُوكِ وَمِنْ الْأَفْعَالِ نُصْرَةُ الرَّسُولِ وَالذَّبُّ عَنْهُ فَقَالُوا إنَّ جَمِيعَهُ مُضَافٌ إلَى التَّصْدِيقِ شَرْعًا، وَقَالَ آخَرُونَ إنَّهُ مِنْ الْكَبَائِرِ لَا يُخْرِجُ الْمَرْءَ بِالْمُخَالَفَةِ فِيهِ عَنْ الْإِيمَانِ.

قَالَ النَّيْسَابُورِيُّ هَذِهِ جُمْلَةُ كَلَامِ مَشَايِخِنَا فِي ذَلِكَ قَالَ وَذَهَبَ أَهْلُ الْأَثَرِ إلَى أَنَّ الْإِيمَانَ جَمِيعُ الطَّاعَاتِ فَرْضُهَا وَنَفْلُهَا وَعَبَّرُوا عَنْهُ بِأَنَّهُ إتْيَانُ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ فَرْضًا وَنَفْلًا وَالِانْتِهَاءُ عَمَّا نَهَى عَنْهُ تَحْرِيمًا وَإِذْنًا وَبِهَذَا كَانَ يَقُولُ أَبُو عَلِيٍّ الثَّقَفِيُّ، وَمِنْ مُتَقَدِّمِي أَصْحَابِنَا أَبُو عَبَّاسٍ الْقَلَانِسِيُّ، وَقَدْ مَالَ إلَى هَذَا الْمَذْهَبِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مُجَاهِدٍ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَمُعْظَمُ أَئِمَّةِ السَّلَفِ وَكَانُوا يَقُولُونَ الْإِيمَانُ مَعْرِفَةٌ بِالْقَلْبِ وَإِقْرَارٌ بِاللِّسَانِ وَعَمَلٌ بِالْأَرْكَانِ: قُلْت وَذَكَرَ الْكَلَامَ إلَى آخِرِهِ مِمَّا لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ الْغَرَضُ هُنَا ذِكْرَ أَقْوَالِ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّة وَاعْتِرَافَ هَؤُلَاءِ بِمَا اجْتَرَءُوا عَلَيْهِ مِنْ مُخَالَفَةِ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ وَأَهْلِ الْحَدِيثِ فِي الْإِيمَانِ مَعَ عِلْمِهِمْ بِذَلِكَ لِمَا عَنَّتْ لَهُمْ مِنْ شُبْهَةِ الْجَهْمِيَّةِ الْمُرْجِئَةِ وَإِنَّمَا الْغَرَضُ بَيَانُ مَا ذَكَرَهُ الْإسْفَرايِينِيّ مِنْ أَنَّ التَّصْدِيقَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِالْمَعْرِفَةِ وَالْإِقْرَارِ وَإِنْ كَانَ أَرَادَ الْمَعْرِفَةَ كَمَا قَرَّرَهُ هُوَ مِنْ قَوَاعِدِهِ وَلَمْ يُحِلْ ذَلِكَ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ مِنْ أُصُولِ الْإِيمَانِ فَإِذَا كَانَ التَّصْدِيقُ لَا يَتَحَقَّقُ بِالْمَعْرِفَةِ إلَّا بِالْإِقْرَارِ أَيْضًا بِاللِّسَانِ كَانَ هَذَا مِنْ كَلَامِهِمْ دَلِيلًا عَلَى امْتِنَاعِ وُجُودِ التَّصْدِيقِ بِالْقَلْبِ وَتَحَقُّقِهِ إلَّا مَعَ الْإِقْرَارِ بِاللِّسَانِ وَهَذَا يُنَاقِضُ قَوْلَهُمْ أَنَّ الْكَلَامَ مُجَرَّدُ مَا يَقُومُ بِالنَّفْسِ فَهَذِهِ مُنَاقَضَةٌ ثَابِتَةٌ فَإِنَّ التَّصْدِيقَ الَّذِي فِي الْقَلْبِ إنْ تَحَقَّقَ بِدُونِ لَفْظٍ يَظَلُّ هَذَا وَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ إلَّا بِلَفْظٍ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ يَظَلُّ ذَاكَ.

فَهَذَا كَلَامُهُمْ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهُمْ لَمْ يَكْتَفُوا بِأَنْ جَعَلُوا الْعِلْمَ يُنَافِي الْكَذِبَ النَّفْسَانِيَّ حَتَّى جَعَلُوهُ يُوجِبُ الصِّدْقَ النَّفْسَانِيَّ فَيَمْتَنِعُ وُجُودُ الْعِلْمِ بِدُونِ الصِّدْقِ فَصَارَ هَذَا مَطْلًا لِمَا أَثْبَتُوا بِهِ الْخَبَرَ النَّفْسَانِيَّ مِنْ أَنَّهُ يُمْكِنُ ثُبُوتُهُ بِدُونِ الْعِلْمِ وَعَلَى خِلَافِ الْعِلْمِ وَهُوَ الْكَذِبُ وَهُمْ كَمَا احْتَجُّوا بِالْعِلْمِ عَلَى انْتِفَاءِ الْكَذِبِ النَّفْسَانِيِّ وَثُبُوتِ الصِّدْقِ النَّفْسَانِيِّ فَقَدْ احْتَجُّوا بِهِ أَيْضًا عَلَى أَصْلِ ثُبُوتِ الْكَلَامِ النَّفْسَانِيِّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>