الْمَوْجُودُ مِنْهُ مَا هُوَ أَمْرٌ وَمِنْهُ مَا هُوَ نَهْيٌ وَهُمْ يَقُولُونَ كَلَامُ اللَّهِ لَيْسَ بَعْضُهُ أَمْرًا وَبَعْضُهُ نَهْيًا وَلَا بَعْضُهُ خَبَرًا فَإِنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي ثُبُوتَ الْأَبْعَاضِ لَهُ وَلَا بَعْضَ لَهُ وَلَا هُوَ أَيْضًا كُلِّيًّا يَنْقَسِمُ إلَى الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ غَيْرَ النَّهْيِ بَلْ هُوَ عِنْدَهُمْ مَعْنًى وَاحِدٌ مَوْجُودٌ فِي الْمَوْصُوفِ هُوَ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالْخَبَرُ.
وَأَمَّا الْمَوْصُوفُ فَإِنَّ ظُهُورَ انْتِفَاءِ الْقِسْمَةِ الْأُولَى عَنْهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى بَيَانٍ فَإِنَّهُ لَيْسَ وُجُودًا كُلِّيًّا يَنْقَسِمُ إلَى الْقَدِيمِ وَالْمُحْدَثِ وَالْوَاجِبِ وَالْمُمْكِنِ وَالْخَالِقِ وَالْمَخْلُوقِ فَإِنَّ هَذَا قَوْلٌ بِعَدَمِهِ إذْ الْكُلِّيُّ لَا وُجُودَ لَهُ فِي الْخَارِجِ وَقَوْلٌ مَعَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ يَكُونُ خَالِقًا وَيَكُونُ مَخْلُوقًا وَقَدِيمًا وَمُحْدَثًا أَيْ بَعْضُ أَنْوَاعِهِ هُوَ الْخَالِقُ وَبَعْضُ أَنْوَاعِهِ الْمَخْلُوقُ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الَّذِي هُوَ كَذَلِكَ لَيْسَ هُوَ الْخَالِقَ الْقَدِيمَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا.
نَعَمْ الزَّنَادِقَةُ الْإِلْحَادِيَّةُ يَقُولُونَ إنَّ الرَّبَّ هُوَ الْوُجُودُ وَهُمْ عَلَى قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ هُوَ الْوُجُودُ الْمُطْلَقُ الَّذِي لَا يَتَعَيَّنُ وَهَذَا قَوْلُ الْقُونَوِيِّ فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَنْقَسِمُ إلَى حَيَوَانٍ وَنَبَاتٍ وَأَرْوَاحٍ وَأَجْسَامٍ لَكِنْ لَا يَنْقَسِمُ إلَى وَاجِبٍ وَمُمْكِنٍ وَخَالِقٍ وَمَخْلُوقٍ بَلْ الْوُجُودُ الْكُلِّيُّ الْمُطْلَقُ هُوَ الْوَاجِبُ الْخَالِقُ وَهَذَا قَوْلٌ بِتَعْطِيلِ الصَّانِعِ وَجُحُودِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا وَلَا يَقُولُ عَاقِلٌ إنَّهُ الْوُجُودُ الْمُطْلَقُ الثَّابِتُ لِلْوَاجِبِ الْمُتَمَيِّزُ بِنَفْسِهِ عَنْ الْمُمْكِنِ فَإِنَّ هَذَا إنَّمَا قَالَهُ لِكَوْنِهِ لَا يَثْبُتُ الْوَاجِبُ مُتَمَيِّزًا عَنْ الْمُمْكِنِ بِنَفْسِهِ فَإِذَا لَزِمَهُ ثُبُوتُ وَاجِبٍ مُتَمَيِّزٍ لَزِمَ تَنَاقُضُهُ وَمَعَ هَذَا فَهُمْ مِنْ أَكْثَرِ الْخَلْقِ تَنَاقُضًا وَهُمْ مُخْلِطُونَ تَخْلِيطًا عَظِيمًا مَعَ اشْتِرَاكِهِمْ فِيمَا هُمْ فِيهِ مِنْ أَظْلَمِ الْخَلْقِ مِنْ الشِّرْكِ بِاَللَّهِ وَالتَّعْطِيلِ فَلَا يَبْعُدُ عَلَى بَعْضِهِمْ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ لَا سِيَّمَا إذَا فَرَّقُوا بَيْنَ تَجْلِيَةِ الذَّاتِيِّ وَتَجْلِيَةِ الْأَسْمَاءِ فَقَدْ يَقُولُونَ التَّجَلِّي الذَّاتِيُّ هُوَ الْوَاجِبُ وَالْأَسْمَائِيُّ هُوَ الْمُمْكِنُ وَيَقُولُونَ هُوَ الْوُجُودُ الْمُطْلَقُ الْمَقُولُ عَلَى الْوَاجِبِ وَالْمُمْكِنِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي يَقُولُونَ هُوَ نَفْسُ الْوُجُودِ وَأَنَّ الْمَوْجُودَاتِ أَبْعَاضُهُ وَأَجْزَاؤُهُ لَا أَنْوَاعُهُ.
وَهَؤُلَاءِ جَعَلُوهُ مَوْجُودًا لَكِنْ جَعَلُوهُ هُوَ الْمَخْلُوقَاتِ بِعَيْنِهَا وَالْأَوَّلُونَ لَمْ يَجْعَلُوهُ مَوْجُودًا فِي الْخَارِجِ لَكِنْ جَعَلُوهُ الْمُطْلَقَ الَّذِي يُوجَدُ فِي الْخَارِجِ مُعَيَّنًا لَا مُطْلَقًا، ثُمَّ مَعَ ذَلِكَ هَلْ لِلْمُمْكِنَاتِ أَعْيَانٌ ثَابِتَةٌ فِي الْعَدَمِ سِوَى وُجُودِهِ أَمْ هُوَ عَيْنُ الْمُمْكِنَاتِ عَلَى قَوْلَيْنِ وَالْأَوَّلُ قَوْلُ صَاحِبِ الْفُصُوصِ مِنْهُمْ وَالثَّانِي قَوْلُ أَتْبَاعِهِ كَالْقُونَوِيِّ وَالتِّلْمِسَانِيّ وَغَيْرِهِمَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute