للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَكِنَّ قَوْلَ هَؤُلَاءِ وَإِنْ أَضَلَّ طَوَائِفَ مِنْ أَذْكِيَاءِ النَّاسِ وَعِبَادِهِمْ وَوَقَعَ تَعْظِيمُهُمْ فِي نُفُوسِ طَوَائِفَ كَثِيرَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَالْعِبَادِ وَالْمُلُوكِ تَقْلِيدًا وَتَعْظِيمًا لِقَوْلِهِمْ مِنْ غَيْرِ فَهْمٍ لِقَوْلِهِمْ فَكُلُّ مُسْلِمٍ بَلْ كُلُّ عَاقِلٍ إذَا فَهِمَ قَوْلَهُمْ حَقِيقَةً عَلِمَ أَنَّ الْقَوْمَ جَاحِدُونَ لِلصَّانِعِ مُكَذِّبُونَ بِالرُّسُلِ وَالشَّرَائِعِ مُفْسِدُونَ لِلْعَقْلِ وَالدِّينِ وَلَيْسَ الْغَرَضُ هَذَا الْكَلَامَ فِيهِمْ فَإِنَّ الْأَشْعَرِيَّةَ لَا تَقُولُ بِهَذَا وَحَاشَاهَا مِنْ هَذَا، بَلْ هُمْ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ تَكْفِيرًا وَمُحَارَبَةً لِمَنْ هُوَ أَمْثَلُ مِنْ هَؤُلَاءِ وَإِنَّمَا هَؤُلَاءِ مِنْ جِنْسِ الْقَرَامِطَةِ وَالْبَاطِنِيَّةِ وَمَنْ قَالَ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْأَشْعَرِيَّةِ وَمِنْ الْفَلَاسِفَةِ لَيْسَ بِمُنْقَسِمٍ فَإِنَّ هَذَا الْمَعْنَى هُوَ أَظْهَرُ فَسَادًا عِنْدَهُمْ مِنْ أَنْ يَكُونَ هُوَ مُرَادُهُمْ بَلْ يُرِيدُونَ أَنَّهُ مَوْجُودٌ فِي الْخَارِجِ مُتَمَيِّزٌ بِنَفْسِهِ وَأَنَّهُ مَعَ ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ أَجْزَاءٌ وَأَبْعَاضٌ وَقَدْ يَقُولُ نُفَاةُ الصِّفَاتِ مِنْ الْفَلَاسِفَةِ وَغَيْرِهِمْ كَابْنِ سِينَا وَغَيْرِهِ إنَّ وَاجِبَ الْوُجُودِ لَيْسَ لَهُ أَجْزَاءٌ لَا أَجْزَاءُ حَدٍّ وَلَا أَجْزَاءُ كَمٍّ، وَمُرَادُهُ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ صِفَةٌ كَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَلَا بَعْضٌ كَالْجِسْمِ، وَهُوَ يَقُولُ إنَّهُ مَوْجُودٌ مُتَمَيِّزٌ عَنْ الْمُمْكِنَاتِ وَلَكِنْ يَقُولُ هُوَ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَمَنْ اتَّبَعَهُمْ مِنْ الْأَشْعَرِيَّةِ فِيهِ مَا يُوجِبُ أَنْ يُلْزِمَهُمْ قَوْلَ أُولَئِكَ الِاتِّحَادِيَّةِ فَإِنَّهُ يَقُولُ هُوَ الْوُجُودُ الْمُطْلَقُ وَيَصِفُهُ بِالصِّفَاتِ السَّلْبِيَّةِ الَّتِي لَا تَنْطَبِقُ إلَّا عَلَى الْمَعْدُومِ كَالْوُجُودِ الْمُطْلَقِ الْكُلِّيِّ الَّذِي لَا وُجُودَ لَهُ فِي الْخَارِجِ لَكِنَّ لَازِمَ قَوْلِ النَّاسِ لَيْسَ هُوَ نَفْسَ قَوْلِهِمْ الَّذِي قَصَدُوهُ.

وَتَحْقِيقُ الْأَمْرِ أَنَّ هَؤُلَاءِ يَجْمَعُونَ بَيْنَ إثْبَاتِ الْبَارِي وَنَفْيِهِ وَبَيْنَ الْإِقْرَارِ بِهِ وَإِنْكَارِهِ وَلَا يُقِرُّونَ بِأَنَّهُ وُجُودُ الْمَخْلُوقَاتِ وَأَمَّا أُولَئِكَ الِاتِّحَادِيَّةُ فَمَعَ تَنَاقُضِهِمْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ وُجُودُ الْمَخْلُوقَاتِ، وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ الْبَارِي تَعَالَى وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْقِسْمَةُ وَالتَّبْعِيضُ مُنْتَفِيَةً عَنْهُ فَقَوْلُهُمْ إنَّهُ وَاحِدٌ لَيْسَ بِذِي أَبْعَاضٍ مَعْنَاهُ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ وَاحِدٌ مُتَمَيِّزٌ عَنْ غَيْرِهِ مَوْجُودٌ لَا بَعْضَ لَهُ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَمِنْ أَصْلِهِمْ أَنَّ كَلَامَ اللَّهِ شَيْءٌ مَوْجُودٌ قَائِمٌ بِالْمُتَكَلِّمِ لَا يَتَبَعَّضُ وَلَا يَنْقَسِمُ أَيْ لَيْسَ مِنْهُ مَا هُوَ أَمْرٌ وَمِنْهُ مَا هُوَ نَهْيٌ وَمِنْهُ مَا هُوَ خَبَرٌ بِحَيْثُ يَكُونُ لَيْسَ هَذَا هُوَ هَذَا بَلْ الَّذِي هُوَ الْأَمْرُ هُوَ النَّهْيُ وَهُوَ الْخَبَرُ وَالْبَارِي عِنْدَهُمْ شَيْءٌ وَاحِدٌ أَيْ لَيْسَ بِجِسْمٍ ذِي أَبْعَاضٍ وَأَحَدُ هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْآخَرِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصْلُحُ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِنَفْيِ هَذَا التَّبْعِيضِ أَنْ لَوْ كَانَ بَعْضُ الْكَلَامِ يَقُومُ بِبَعْضٍ وَبَعْضُهُ يَقُومُ بِبَعْضٍ آخَرَ فَيُقَالُ يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ تَبَعُّضِ الْمَوْصُوفِ نَفْيُ تَبَعُّضِ الصِّفَةِ الْقَائِمَةِ بِهِ بَلْ إذَا قِيلَ إنَّ الْكَلَامَ حَقَائِقُ فَكُلُّ حَقِيقَةٍ تَقُومُ بِالْمَوْصُوفِ قِيَامًا مُطْلَقًا كَمَا تَقُومُ بِهِ الْحَيَاةُ وَالْعِلْمُ

<<  <  ج: ص:  >  >>