للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا مَنْ فَعَلَهُ ثُمَّ بَنَى عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ قَائِمًا بِهِ ثُمَّ قَالَ وَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ اسْتِحَالَةُ كَوْنِهِ حَادًّا لِقِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى اسْتِحَالَةِ قَبُولِهِ لِلْحَوَادِثِ وَلَا يَبْقَى بَعْدَ هَذِهِ الْأَقْسَامِ إلَّا مَذْهَبُ أَهْلِ الْحَقِّ فِي وَصْفِ الْبَارِي تَعَالَى بِكَوْنِهِ مُتَكَلِّمًا بِكَلَامٍ قَدِيمٍ أَزَلِيٍّ فَقَدْ بَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ يَسْتَحِيلُ قِيَامُ الْحَوَادِثِ بِهِ وَكَانَ قَدْ ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ قَبْلَ ذَلِكَ فَقَالَ.

فَصْلٌ مِمَّا يُخَالِفُ الْجَوْهَرُ فِيهِ حُكْمَ الْإِلَهِ قَبُولَ الْأَعْرَاضِ وَصِحَّةَ الِاتِّصَافِ بِالْحَوَادِثِ وَالرَّبُّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُتَقَدِّسٌ عَنْ قَبُولِ الْحَوَادِثِ قَالَ وَذَهَبَتْ الْكَرَّامِيَّةُ إلَى أَنَّ الْحَوَادِثَ تَقُومُ بِذَاتِ الْإِلَهِ تَعَالَى عَنْ قَوْلِهِمْ ثُمَّ زَعَمُوا أَنَّهُ لَا يَتَّصِفُ بِمَا يَقُومُ بِهِ مِنْ الْحَوَادِثِ قَالَ وَصَارُوا إلَى جَهَالَةٍ لَمْ يُسْبَقُوا إلَيْهَا فَقَالُوا الْقَوْلُ الْحَادِثُ يَقُومُ بِذَاتِ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَهُوَ غَيْرُ قَائِلٍ بِهِ وَإِنَّمَا هُوَ قَائِلٌ بِالْقَابِلِيَّةِ وَحَقِيقَةُ أُصُولِهِمْ أَنَّ أَسْمَاءَ الرَّبِّ لَا يَجُوزُ أَنْ تَتَجَدَّدَ وَكَذَلِكَ وَصَفُوهُ بِكَوْنِهِ تَعَالَى خَالِقًا فِي الْأَزَلِ فَلَمْ يَتَحَاشَوْا مِنْ قِيَامِ الْحَوَادِثِ بِهِ وَتَنَكَّبُوا إثْبَاتَ وَصْفٍ جَدِيدٍ لَهُ ذِكْرًا وَقَوْلًا قَالَ وَالدَّلِيلُ عَلَى بُطْلَانِ مَا قَالُوهُ أَنَّهُ لَوْ قَبِلَ الْحَوَادِثَ لَمْ يَخْلُ مِنْهَا لِمَا سَبَقَ تَقْرِيرُهُ فِي الْجَوَاهِرِ حَيْثُ قَضَيْنَا بِاسْتِحَالَةِ تَعَرِّيهَا عَنْ الْأَعْرَاضِ وَمَا لَمْ يَخْلُ مِنْ الْحَوَادِثِ لَمْ يَسْبِقْهَا وَيَنْسَاقُ ذَلِكَ إلَى الْحُكْمِ بِحُدُوثِ الصَّانِعِ.

قَالَ وَلَا يَسْتَقِيمُ هَذَا الدَّلِيلُ عَلَى أُصُولِ الْمُعْتَزِلَةِ مَعَ مَصِيرِهِمْ إلَى تَجْوِيزِ خُلُوِّ الْجَوْهَرِ عَنْ الْأَعْرَاضِ عَلَى تَفْصِيلٍ لَهُمْ أَشَرْنَا إلَيْهِ وَإِثْبَاتُهُمْ أَحْكَامًا مُتَجَدِّدَةً لِذَاتِ الرَّبِّ تَعَالَى مِنْ الْإِرَادَاتِ الْحَادِثَةِ الْقَائِمَةِ لَا بِمُحَالٍ عَلَى زَعْمِهِمْ وَبِصَدِّهِمْ أَيْضًا عَنْ طَرْدِ الدَّلِيلِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَمْتَنِعْ تَجَدُّدُ أَحْكَامِ الذَّاتِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَدُلَّ عَلَى الْحُدُوثِ لَمْ يَبْعُدْ مِثْلُ ذَلِكَ فِي اعْتِوَارِ نَفْسِ الْأَعْرَاضِ عَلَى الذَّاتِ قَالَ وَتَقُولُ الْكَرَّامِيَّةُ مَصِيرُكُمْ إلَى إثْبَاتِ قَوْلٍ حَادِثٍ مَعَ نَفْيِكُمْ اتِّصَاف الرَّبِّ بِهِ تَنَاقُضٌ إذْ لَوْ جَازَ قِيَامُ مَعْنًى بِمَحَلٍّ غَائِبٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَّصِفَ الْمَحَلُّ بِحُكْمِهِ لَجَازَ شَاهِدًا قِيَامُ أَقْوَالٍ وَعُلُومٍ وَإِرَادَاتٍ بِمَحَالَّ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَتَّصِفَ الْمَحَالُّ بِأَحْكَامٍ مُرَكَّبَةٍ عَلَى الْمَعَانِي وَذَلِكَ يَخْلِطُ الْحَقَائِقَ وَيَجُرُّ إلَى الْجَهَالَاتِ ثُمَّ نَقُولُ لَهُمْ إذَا جَوَّزْتُمْ قِيَامَ ضُرُوبٍ مِنْ الْحَوَادِثِ بِذَاتِهِ فَمَا الْمَانِعُ مِنْ تَجْوِيزِ قِيَامِ أَكْوَانٍ حَادِثَةٍ بِذَاتِهِ عَلَى التَّعَاقُبِ وَكَذَلِكَ سَبِيلُ الْإِلْزَامِ فِيمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>