للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَفْسُ الْإِدْرَاكِ عِنْدَهُمْ وَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ حَادِثًا لِأَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مَحَلًّا لِلْحَوَادِثِ وَيَلْزَمُ أَنْ يَتَغَيَّرَ وَكِلَاهُمَا مُحَالٌ وَقَالَ فِي الْجَوَابِ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا بِسَمْعٍ قَدِيمٍ وَبَصَرٍ قَدِيمٍ وَيَكُونُ السَّمْعُ وَالْبَصَرُ يَقْتَضِيَانِ التَّعَلُّقَ بِالْمَرْئِيِّ وَالْمَسْمُوعِ بِشَرْطِ حُضُورِهِمَا وَوُجُودِهِمَا قَالَ وَهَذَا هُوَ الْمَعْنَى بِقَوْلِ أَصْحَابِنَا فِي السَّمْعِ وَالْبَصَرِ إنَّهُ صِفَةٌ مُتَهَيِّئَةٌ لِدَرْكِ مَا عَرَضَ عَلَيْهِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ تَجَدُّدُ التَّعَلُّقَاتِ قُلْنَا وَأَيُّ بَأْسٍ بِذَلِكَ إذَا لَمْ يَثْبُتْ أَنَّ التَّعَلُّقَاتِ أُمُورٌ وُجُودِيَّةٌ فِي الْأَعْيَانِ فَهَذَا هُوَ تَقْرِيرُ الْمَذْهَبِ ثُمَّ لَإِنْ سَلَّمْنَا فَسَادَ هَذَا الْقِسْمِ فَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُحْدَثًا فِي ذَاتِهِ عَلَى مَا هُوَ مَذْهَبُ الْكَرَّامِيَّةِ وَقَوْلُهُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مَحَلًّا لِلْحَوَادِثِ قُلْنَا إنْ عَنَيْتُمْ حُدُوثَ هَذِهِ الصِّفَاتِ فِي ذَاتِهِ تَعَالَى بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ حَادِثَةً فِيهَا فَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ فَلِمَ قُلْتُمْ إنَّهُ مُحَالٌ، وَإِنْ عَنَيْتُمْ شَيْئًا آخَرَ فَبَيِّنُوهُ لِنَتَكَلَّمَ عَلَيْهِ، وَهَذَا هُوَ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ يَلْزَمُ وُجُودُ التَّغَيُّرِ فِي ذَاتِ اللَّهِ.

قُلْت: وَقَدْ اعْتَرَفَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِضَعْفِ الْجَوَابِ الْأَوَّلِ، وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ صِفَةٌ مُتَهَيِّئَةٌ لِدَرْكِ مَا عَرَضَ عَلَيْهِ وَضِدُّهُ نَفْيُ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ هُوَ الْإِدْرَاكُ، فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ الصِّفَةِ وَبَيْنَ هَذَا الْمُدْرَكِ. ثُمَّ عِنْدَ وُجُودِ هَذَا الدَّرْكِ هَلْ يَكُونُ سَامِعًا مُبْصِرًا لِمَا لَمْ يَكُنْ قَبْلَ ذَلِكَ سَامِعًا لَهُ مُبْصِرًا أَمْ لَا يَكُونُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَزِمَ نَفْيُ أَنْ يَسْمَعَ وَيُبْصِرَ، وَإِنْ كَانَ سَمِعَ وَرَأَى مَا لَمْ يَكُنْ سَمِعَهُ وَرَآهُ، فَمِنْ الْمَعْلُومِ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ هَذَا أَمْرٌ وُجُودِيٌّ قَائِمٌ بِذَاتِ السَّامِعِ الرَّائِي، وَأَنَّهُ لَيْسَ أَمْرًا عَدَمِيًّا وَلَا وَاسِطَةَ بَيْنَ الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ وَلَوْ كَانَ عَدَمِيًّا لَكَانَ سَلْبُهُ وُجُودِيًّا إذَا قِيلَ لَمْ يَسْمَعْ وَلَمْ يُبْصِرْ، وَإِنْ كَانَ سَلْبُهُ وُجُودِيًّا لَامْتَنَعَ وَصْفُ الْمَعْدُومِ بِهِ، فَإِنَّ الْمَعْدُومَ لَا يُوصَفُ بِوُجُودٍ وَمَذَاهِبُ هَؤُلَاءِ إنَّمَا تُشْكِلُ عَلَى النَّاسِ لِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِ، فَإِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ يُطْلَقُ بِمَعْنَى مَا بِهِ يَسْمَعُ وَيُبْصِرُ، وَلَيْسَ اللَّهُ عِنْدَهُمْ سَمِيعًا بَصِيرًا بِهَذَا الِاعْتِبَارِ، وَإِنْ كَانَ أَهْلُ الْإِثْبَاتِ يَقُولُونَ بِذَلِكَ.

وَإِنَّمَا هُوَ عِنْدَهُمْ مُجَرَّدُ الْإِدْرَاكِ فَقَطْ، فَكَيْفَ يُقَالُ كَانَ ثَابِتًا فِي الْعَدَمِ غَيْرُ مُتَعَلِّقٍ وَأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ إلَّا بِالْمَوْجُودِ وَأَنَّ تَعَلُّقَهُ بِالْمَوْجُودِ عَدَمٌ مَحْضٌ هَذِهِ أَقْوَالٌ مَعْلُومَةُ الْفَسَادِ بِالضَّرُورَةِ، وَقَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ فِي مَسْأَلَةِ الْأَفْعَالِ الِاخْتِيَارِيَّةِ بَسْطًا عَظِيمًا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ

وَكَانَ الْمَقْصُودُ هُنَا أَوَّلًا الْكَلَامُ فِي اسْمِ اللَّهِ الْوَاحِدِ وَأَنَّ لَهُ ثَلَاثَةَ مَعَانٍ:

<<  <  ج: ص:  >  >>