للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُلْت: وَقَوْلُ ابْنِ خُزَيْمَةَ الْمُلَقَّبِ بِإِمَامِ الْأَئِمَّةِ الْكَلَامُ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ هُوَ نَظِيرُ مَا نَهَى عَنْهُ مَالِكٌ مِنْ الْكَلَامِ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ وَهُوَ هَذَا التَّوْحِيدُ الَّذِي ابْتَدَعَتْهُ الْجَهْمِيَّةُ وَأَتْبَاعُهَا فَإِنَّ ابْنَ خُزَيْمَةَ لَهُ كِتَابٌ مَشْهُورٌ فِي التَّوْحِيدِ يَذْكُرُ فِيهِ صِفَاتِ اللَّهِ الَّتِي نَطَقَ بِهَا كِتَابُهُ وَسُنَّةُ رَسُولِهِ.

قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ سَمِعْت أَبِي يَقُولُ قُلْت لِأَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ مَا التَّوْحِيدُ قَالَ تَوْحِيدُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَتَوْحِيدُ أَهْلِ الْبَاطِلِ الْخَوْضُ فِي الْأَعْرَاضِ وَالْأَجْسَامِ وَإِنَّمَا بُعِثَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِنْكَارِ ذَلِكَ، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا تَقَدَّمَ فَبَيَّنَ أَنَّ الْخَوْضَ فِي الْجِسْمِ وَالْعَرَضِ وَنَفْيَ ذَلِكَ وَجَعْلَ ذَلِكَ مِنْ التَّوْحِيدِ هُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْبَاطِلِ فَكَيْفَ بِمَنْ جَعَلَهُ أَصْلَ الدِّينِ كَمَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ سَمِعْت أَحْمَدَ بْنَ الْحَسَنِ.

أَنْبَأْنَا الْأَشْعَثُ يَقُولُ قَالَ رَجُلٌ لِبِشْرِ بْنِ أَحْمَدَ أَبِي سَهْلٍ الْإسْفَرايِينِيّ إنَّمَا أَتَعَلَّمُ الْكَلَامَ لِأَعْرِفَ بِهِ الدِّينَ فَغَضِب وَسَمِعْته قَالَ أَوَ كَانَ السَّلَفُ مِنْ عُلَمَائِنَا كُفَّارًا وَقَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الَّذِي أَقُولُ أَنَّهُ إذَا نُظِرَ إلَى إسْلَامِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَسَعْدٍ وَسَعِيدٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسَائِرِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَجَمِيعِ الْوُفُودِ الَّذِينَ دَخَلُوا فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا عُلِمَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَعْرِفْهُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ إلَّا بِتَصْدِيقِ النَّبِيِّينَ وَبِأَعْلَامِ النُّبُوَّةِ وَدَلَائِلِ الرِّسَالَةِ لَا مِنْ قِبَلِ حَرَكَةٍ وَلَا سُكُونٍ وَلَا مِنْ بَابِ الْبَعْضِ وَالْكُلِّ وَلَا مِنْ بَابِ كَانَ وَيَكُونُ وَلَوْ كَانَ النَّظَرُ فِي الْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ عَلَيْهِمْ وَاجِبًا فِي الْجِسْمِ وَنَفْيِهِ وَفِي التَّشْبِيهِ وَنَفْيِهِ لَازِمًا مَا أَضَاعُوهُ وَمَا أَضَاعُوا الْوَاجِبَ لَمَّا نَطَقَ الْقُرْآنُ بِتَزْكِيَتِهِمْ وَتَقْدِيمِهِمْ وَلَا أَطْنَبَ فِي مَدْحِهِمْ وَتَعْظِيمِهِمْ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ عِلْمِهِمْ مَشْهُورًا وَمِنْ أَخْلَاقِهِمْ مَعْرُوفًا لَاسْتَفَاضَ عَنْهُمْ وَاشْتَهَرُوا بِالْقُرْآنِ وَالرِّوَايَاتِ.

فَذَكَرَ أَبُو عُمَرَ أَنَّ مَا يُدْخِلُهُ هَؤُلَاءِ فِي أُصُولِ الدِّينِ وَالتَّوْحِيدِ مِنْ الْجِسْمِ وَنَفْيِهِ وَالتَّشْبِيهِ وَنَفْيِهِ وَالِاسْتِدْلَالِ بِالْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ لَوْ كَانَ مِنْ الدِّينِ لَمَا أَضَاعَهُ خِيَارُ هَذِهِ الْأُمَّةِ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الدِّينِ وَكَلَامُ عُلَمَاءِ الْمِلَّةِ فِي هَذَا الْبَابِ يَطُولُ وَإِنَّمَا الْغَرَضُ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ مَا سَمَّاهُ هَؤُلَاءِ تَوْحِيدًا وَجَعَلُوهُ هُوَ نَفْيَ التَّجْسِيمِ وَالتَّشْبِيهِ إنَّمَا هُوَ شَيْءٌ ابْتَدَعُوهُ لَمْ يَبْعَثْ اللَّهُ بِهِ رُسُلَهُ وَلَا أَنْزَلَ بِهِ كُتُبَهُ وَقَدْ اعْتَرَفَ بِذَلِكَ حُذَّاقُهُمْ كَمَا ذَكَرَهُ أَبُو حَامِدٍ الْغَزَالِيُّ فِي كِتَابِ إحْيَاءِ عُلُومِ الدِّينِ وَوَافَقَهُ فِيهِ أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِ

<<  <  ج: ص:  >  >>