مِنْهَاجُ الْقَاصِدِينَ لَمَّا ذَكَرَ الْأَسْمَاءَ الَّتِي عُرِفَ مُسَمَّيَاتُهَا فَذَكَرَ الْعِلْمَ وَالْفِقْهَ وَالتَّوْحِيدَ قَالَ.
وَلِهَذَا لَمَّا كَانَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ كِلَابٍ وَأَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ وَأَبُو الْعَبَّاسِ الْقَلَانِسِيُّ مِمَّنْ أَخَذَ أَصْلَ الْكَلَامِ فِي التَّوْحِيدِ عَنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَخَالَفُوهُمْ فِي بَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ يَقَعُ فِي كَلَامِهِمْ مِنْ هَذَا التَّوْحِيدِ الْمُبْتَدَعِ الْمُخَالِفِ لِلتَّوْحِيدِ الْمُنَزَّلِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مَا يَقَعُ كَانَ النَّاسُ يُنَبِّهُونَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ قَالَ سَمِعْت عَدْنَانَ بْنَ عَبْدَةَ النُّمَيْرِيَّ يَقُولُ سَمِعْت أَبَا عُمَرَ الْبِسْطَامِيَّ يَقُولُ كَانَ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ أَوَّلًا يَنْتَحِلُ الِاعْتِزَالَ ثُمَّ رَجَعَ فَتَكَلَّمَ عَلَيْهِمْ وَإِنَّمَا مَذْهَبُهُ التَّعْطِيلُ إلَّا أَنَّهُ رَجَعَ مِنْ التَّصْرِيحِ إلَى التَّمْوِيهِ.
وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ السِّجْزِيُّ فِي رِسَالَتِهِ إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ وَلَقَدْ حَكَى لِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَالِكِيُّ الْمَغْرِبِيُّ وَكَانَ فَقِيهًا صَالِحًا عَنْ الشَّيْخِ أَبِي سَعِيدٍ الْبَرْقِيِّ وَهُوَ مِنْ شُيُوخِ فُقَهَاءِ الْمَالِكِيِّينَ بِبَرْقَةَ عَنْ أُسْتَاذِهِ خَلَفٍ الْمُعَلِّمِ وَكَانَ مِنْ فُقَهَاءِ الْمَالِكِيِّينَ أَنَّهُ قَالَ الْأَشْعَرِيُّ أَقَامَ أَرْبَعِينَ سَنَةً عَلَى الِاعْتِزَال ثُمَّ أَظْهَرَ التَّوْبَةَ فَرَجَعَ عَنْ الْفُرُوعِ وَثَبَتَ عَلَى الْأُصُولِ.
قَالَ أَبُو نَصْرٍ هَذَا كَلَامُ خَبِيرٍ بِمَذْهَبِ الْأَشْعَرِيِّ وَعَوْرَتِهِ وَلِهَذَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ إمَامُ الْمَالِكِيَّةِ فِي وَقْتِهِ فِي الْعِرَاقِ فِي الْكَلَامِ الَّذِي ذَكَرَهُ عَنْهُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قَالَ أَهْلُ الْبِدَعِ وَالْأَهْوَاءِ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ الَّذِينَ تُرَدُّ شَهَادَتُهُمْ هُمْ أَهْلُ الْكَلَامِ قَالَ فَكُلُّ مُتَكَلِّمٍ فَهُوَ عِنْدَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَكُلُّ مُتَكَلِّمٍ فَهُوَ عِنْدَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ أَشْعَرِيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَ أَشْعَرِيٍّ.
وَالْمَعْنَى الثَّالِثُ: مِنْ مَعَانِي التَّوْحِيدِ عِنْدَ هَؤُلَاءِ الْأَشْعَرِيَّةِ كَالْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ وَغَيْرِهِ هُوَ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ فِي الْمُلْكِ بَلْ هُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَهَذَا مَعْنًى صَحِيحٌ وَهُوَ حَقٌّ وَهُوَ أَجْوَدُ مَا اعْتَصَمُوا بِهِ مِنْ الْإِسْلَامِ فِي أُصُولِهِمْ حَيْثُ اعْتَرَفُوا فِيهَا بِأَنَّ اللَّهَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَمُرَبِّيهِ وَمُدَبِّرُهُ وَالْمُعْتَزِلَةُ وَغَيْرُهُمْ يُخَالِفُونَ فِي ذَلِكَ حَيْثُ يَجْعَلُونَ بَعْضَ الْمَخْلُوقَاتِ لَمْ يَخْلُقْهَا اللَّهُ وَلَمْ يُحْدِثْهَا لَكِنْ مَعَ هَذَا قَدْ رَدُّوا قَوْلَهُمْ بِبِدَعٍ غَلَوْا فِيهَا وَأَنْكَرُوا مَا خَلَقَهُ اللَّهُ مِنْ الْأَسْبَابِ وَأَنْكَرُوا مَا نَطَقَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ مِنْ أَنَّ اللَّهَ يَخْلُقُ الْأَشْيَاءَ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهُ فَهَذِهِ الْمَعَانِي الثَّلَاثَةُ هِيَ الَّتِي يَقُولُونَ أَنَّهَا مَعْنَى اسْمِ اللَّهِ الْوَاحِدِ وَهِيَ التَّوْحِيدُ وَفِيهَا مِنْ الْبِدَعِ الَّتِي خُولِفَ بِهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute