وَقَدْ احْتَجَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَغَيْرِهَا عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ فَجَعَلُوهُ بَعْضَ عِلْمِ اللَّهِ فَمَنْ الَّذِي يَقُولُ إنَّ عِلْمَ اللَّهِ لَيْسَ لَهُ بَعْضٌ وَلَا جُزْءٌ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْمَسْأَلَةِ عُمْدَةٌ إلَّا مَا اعْتَمَدَ عَلَيْهِ إمَامُ الْقَوْمِ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْبَاقِلَّانِيِّ، فَإِنَّهُ اعْتَمَدَ فِيهَا إجْمَاعًا ادَّعَاهُ وَهُوَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ يَدَّعِي إجْمَاعَاتٍ لَا حَقِيقَةَ لَهَا كَدَعْوَاهُ إجْمَاعَ السَّلَفِ عَلَى صِحَّةِ الصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ بِكَوْنِهِمْ لَمْ يَأْمُرُوا الظَّلَمَةَ بِالْإِعَادَةِ، وَلَعَلَّهُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَنْقُلَ عَنْ أَرْبَعَةٍ مِنْ السَّلَفِ أَنَّهُمْ اُسْتُفْتُوا فِي إعَادَةِ الظَّلَمَةِ مَا صَلَّوْهُ فِي مَكَان مَغْصُوبٍ فَأَفْتَوْهُمْ بِإِجْزَاءِ الصَّلَاةِ، لَكِنْ أَهْلُ الْكَلَامِ كَثِيرُو الِاحْتِجَاجِ مِنْ الْمَعْقُولِ وَالْمَنْقُولِ بِالْحُجَجِ الدَّاحِضَةِ، وَلِهَذَا كَثُرَ ذَمُّ السَّلَفِ لَهُمْ، قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيّ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى وَحْدَةِ عِلْمِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ.
فَقَالَ: الْفَصْلُ الْأَوَّلُ: فِي وَحْدَةِ عِلْمِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ نَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الشَّامِلِ عَنْ أَبِي سَهْلٍ الصُّعْلُوكِيِّ مِنَّا أَنَّهُ تَعَالَى عَالِمٌ بِعُلُومٍ غَيْرِ مُتَنَاهِيَةٍ وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ إلَى أَنَّهُ تَعَالَى عَالِمٌ بِعِلْمٍ وَاحِدٍ قَادِرٌ بِقُدْرَةٍ وَاحِدَةٍ مَرِيدٌ بِإِرَادَةٍ وَاحِدَةٍ.
قَالَ: وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَاضِيَ أَبَا بَكْرٍ عَوَّلَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى الْإِجْمَاعِ فَقَالَ الْقَائِلُ قَائِلَانِ، قَائِلٌ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى عَالِمٌ بِالْعِلْمِ قَادِرٌ بِالْقُدْرَةِ، وَقَائِلٌ يَقُولُ لَيْسَ اللَّهُ عَالِمًا بِالْعِلْمِ وَلَا قَادِرًا بِالْقُدْرَةِ، وَكُلُّ مَنْ قَالَ بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ قَالَ إنَّهُ عَالِمٌ بِعِلْمٍ وَاحِدٍ قَادِرٌ بِقُدْرَةٍ وَاحِدَةٍ، فَلَوْ قُلْنَا إنَّهُ سُبْحَانَهُ عَالِمٌ بِعِلْمَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ كَانَ ذَلِكَ قَوْلًا ثَالِثًا خَارِقًا لِلْإِجْمَاعِ وَأَنَّهُ بَاطِلٌ.
قَالَ وَأَمَّا الصُّعْلُوكِيُّ فَهُوَ مَسْبُوقٌ بِهَذَا الْإِجْمَاعِ فَيَكُونُ حُجَّةً عَلَيْهِ، قُلْت هَذَا الْإِجْمَاعُ مُرَكَّبٌ مِنْ جِنْسِ الْإِجْمَاعِ الَّذِي احْتَجَّ بِهِ الرَّازِيّ عَلَى قِدَمِ الْمَعْنَى الَّذِي ادَّعَوْهُ أَنَّهُ هُوَ الْكَلَامُ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ إجْمَاعٌ أَصْلًا وَإِنَّمَا هُوَ إجْمَاعُ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْأَشْعَرِيَّةِ لَوْ صَحَّ فَكَيْفَ وَقَدْ حَكَى أَبُو حَاتِمٍ التَّوْحِيدِيُّ عَنْ الْأَشْعَرِيِّ نَفْسِهِ أَنَّهُ كَانَ يُثْبِتُ عُلُومًا لَا نِهَايَةَ لَهَا وَالسَّلَفُ الَّذِينَ أَثْبَتُوا عِلْمَ اللَّهِ وَقُدْرَتَهُ لَيْسَ مَقْصُودُهُمْ بِذَلِكَ مَا يَقْصِدُهُ هَؤُلَاءِ مِنْ أَنَّهُ لَا بَعْضَ لَهُ، بَلْ قَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ يُعْلَمُ بَعْضُ عِلْمِ اللَّهِ وَلَا يُعْلَمُ بَعْضُهُ، وَكُلُّ مَنْ لَمْ يُوَافِقْهُمْ عَلَى مَا ادَّعَوْهُ مِنْ نَفْيِ التَّبْعِيضِ الَّذِي اخْتَصُّوا بِنَفْيِهِ كَاَلَّذِينَ خَالَفُوهُمْ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute