الْمُرْجِئَةِ وَالشِّيعَةِ وَالْكَرَّامِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ فَإِنَّهُمْ يُخَالِفُونَهُمْ فِي ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ جَمَاعَةُ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْفُقَهَاءِ وَالصُّوفِيَّةِ وَهَذَا الَّذِي اعْتَمَدَهُ إمَامُ الطَّائِفَةِ وَلِسَانُهَا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ مِنْ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُ وَحْدَةِ الْعِلْمِ إلَّا بِالْإِجْمَاعِ الَّذِي ادَّعَاهُ يُبَيِّنُ لَك أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْعَقْلِ مَا يَمْنَعُ تَعَدُّدَ عِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ وَكَلَامِهِ وَسَائِرِ صِفَاتِهِ، وَكَذَلِكَ أَقَرَّ بِذَلِكَ أَبُو الْمَعَالِي وَالرَّازِيُّ وَغَيْرُهُمْ مِنْ حُذَّاقِ الْقَوْمِ فَإِنَّ كَلَامَ ابْنِ فُورَكٍ قَدْ يُشْعِرُ بِأَنَّ الْعَقْلَ يُوجِبُ اتِّحَادَ ذَلِكَ وَقَدْ بَيَّنَّا فَسَادَ ذَلِكَ.
الْوَجْهُ الْحَادِي وَالسَّبْعُونَ: أَنَّ إمَامَهُمْ الْمُتَأَخِّرَ وَهُوَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيّ اعْتَرَفَ فِي أَجَلِّ كُتُبِهِ أَنَّ الْقَوْلَ بِكَوْنِ الطَّلَبِ هُوَ الْخَبَرَ هُوَ بَاطِلٌ عَلَى الْقَوْلِ بِنَفْيِ الْحَالِ، وَنَفْيُ الْحَالِ هُوَ مَذْهَبُ الْأَشْعَرِيِّ نَفْسِهِ وَتَحْقِيقُهُمْ وَإِلَيْهِ رَجَعَ أَبُو الْمَعَالِي فِي آخِرِ عُمْرِهِ.
وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِثُبُوتِ الْحَالِ فَتَوَقَّفَ فِي ذَلِكَ وَلَمْ يَجْزِمْ بِإِمْكَانِهِ وَلَا امْتِنَاعِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ حِكَايَةُ لَفْظِهِ فِي ذَلِكَ وَهَذَا اعْتِرَافٌ مِنْهُ بِأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ الَّذِي قَالُوهُ مُمْتَنِعُ الْعَقْلِ عِنْدَ مُحَقِّقِيهِمْ وَهُمْ نُفَاةُ الْحَالِ.
وَأَمَّا عِنْدَ مُثْبِتِي الْحَالِ عِنْدَهُمْ فَلَا نَعْلَمُ أَنَّهُ مُمْكِنٌ أَوْ مُمْتَنِعٌ وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَلَا نَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ مُمْكِنٌ فَتَبَيَّنَ أَنْ لَا حُجَّةَ لَهُمْ عَلَى إمْكَانِ صِحَّةِ مَا ادَّعَوْهُ مِنْ أَنَّ كَلَامَ اللَّهِ مَعْنًى وَاحِدٌ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ هُوَ الْوَاقِعَ إذْ لَيْسَ كُلُّ مَا أَمْكَنَ فِي الذِّهْنِ كَانَ هُوَ الْوَاقِعَ فَإِنَّهُ إذَا جَازَ فِي الْعَقْلِ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ صِفَةً وَاحِدَةً وَجَازَ أَنْ يَكُونَ صِفَاتٍ مُتَعَدِّدَةً فَلَا بُدَّ مِنْ دَلِيلٍ يُبَيِّنُ ثُبُوتَ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ، فَكَيْفَ إذَا قَالَ النَّاسُ لَهُمْ إنَّهُ مُمْتَنِعٌ لَمْ يَذْكُرُوا دَلِيلًا عَلَى إمْكَانِهِ.
الْوَجْهُ الثَّانِي وَالسَّبْعُونَ: إنَّا نُبَيِّنُ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ مُمْتَنِعٌ عَلَى الْقَوْلِ بِثُبُوتِ الْحَالِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِنَفْيِهِ، أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِنَفْيِهِ فَقَدْ تَقَدَّمَ كَلَامُهُ فِي ذَلِكَ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِثُبُوتِهِ فَإِنَّ الرَّازِيَّ إنَّمَا تَوَقَّفَ لِأَنَّهُ قَالَ، وَأَمَّا إنْ تَكَلَّمْنَا عَلَى الْقَوْلِ بِالْحَالِ فَيَجِبُ أَنْ يُنْظَرَ فِي الْحَقَائِقِ الْكَثِيرَةِ هَلْ يَجُوزُ أَنْ تَتَّصِفَ بِوُجُودٍ وَاحِدٍ أَمْ لَا، فَإِنْ قُلْنَا بِجَوَازِ ذَلِكَ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الصِّفَةُ الْوَاحِدَةُ حَقَائِقَ مُخْتَلِفَةً إلَّا بَطَلَ الْقَوْلُ بِذَلِكَ، قَالَ وَأَنَا إلَى الْآنَ لَمْ يَتَّضِحْ لِي فِيهِ دَلِيلٌ لَا نَفْيًا وَلَا إثْبَاتًا، فَيُقَالُ لِهَذَا هَذِهِ أُغْلُوطَةٌ وَذَلِكَ أَنَّهُ هَبْ أَنَّ وُجُودَ كُلِّ شَيْءٍ زَائِدٌ عَلَى حَقِيقَتِهِ فِي الْخَارِجِ وَهَبْ أَنَّا سَلَّمْنَا لَهُ مَا شَكَّ فِيهِ وَهُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute