للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقَدْ ذَكَرَ كُفْرَ الَّذِينَ قَالُوا إنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ فِي آيَةٍ وَنَهَى أَهْلَ الْكِتَابِ عَنْ ذَلِكَ فِي آيَةٍ أُخْرَى فَهَذَانِ مَوْضِعَانِ ذَكَرَ فِيهِمَا التَّثْلِيثَ عَنْهُمْ وَفِي مَوْضِعَيْنِ ذَكَرَ كُفْرَهُمْ بِقَوْلِهِمْ إنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَأَمَّا ذِكْرُ الْوَلَدِ عَنْهُمْ فَكَثِيرٌ، وَاعْلَمْ أَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّ هَذِهِ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ عَنْ النَّصَارَى هِيَ قَوْلُ الْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ الْيَعْقُوبِيَّةُ وَهُمْ شَرُّهُمْ وَهُمْ السُّودَانُ مِنْ الْحَبَشَةِ، وَالْقِبْطُ ثُمَّ الْمَلْكَانِيَّةُ وَهُمْ أَهْلُ الشَّمَالِ مِنْ الشَّامِ وَالرُّومِ ثُمَّ النَّسْطُورِيَّةُ وَهُمْ نَشَئُوا فِي دَوْلَةِ الْمُسْلِمِينَ، مِنْ زَمَنِ الْمَأْمُونِ وَهُمْ قَلِيلٌ فَإِنَّ الْيَعْقُوبِيَّةَ تَزْعُمُ أَنَّ اللَّاهُوتَ وَالنَّاسُوتَ اتَّحَدَا وَامْتَزَجَا كَامْتِزَاجِ الْمَاءِ وَاللَّبَنِ وَالْخَمْرِ فَهُمَا جَوْهَرٌ وَاحِدٌ وَأُقْنُومٌ وَاحِدٌ وَطَبِيعَةٌ وَاحِدَةٌ فَصَارَ عَيْنُ النَّاسُوتِ عَيْنَ اللَّاهُوتِ وَأَنَّ الْمَطْلُوبَ هُوَ عَيْنُ اللَّاهُوتِ، والملكانية تَزْعُمُ أَنَّهُمَا صَارَا جَوْهَرًا وَاحِدًا لَهُ أُقْنُومَانِ وَقِيلَ أُقْنُومٌ وَاحِدٌ لَهُ جَوْهَرَانِ والنسطورية يَقُولُونَ هُمَا جَوْهَرَانِ أُقْنُومَانِ وَإِنَّمَا اتَّحِدَا فِي الْمَشِيئَةِ وَهَذَانِ قَوْلُ مَنْ يَقُولُ بِالِاتِّحَادِ، وَأَمَّا الْقَوْلُ بِالْحُلُولِ فَمِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ كَأَبِي الْمَعَالِي مَنْ يَذْكُرُ الْخِلَافَ فِي فِرَقِهِمْ الثَّلَاثِ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ بِالِاتِّحَادِ بِالْمَسِيحِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ بِالْحُلُولِ فِيهِ فَيَقُولُ هَؤُلَاءِ مِنْ الطَّوَائِفِ الثَّلَاثَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ بِالْحُلُولِ وَأَنَّ اللَّاهُوتَ حَلَّ فِي النَّاسُوتِ وَقَالُوا هَذَا قَوْلُ الْأَكْثَرِ مِنْهُمْ فَهُمَا جَوْهَرَانِ وَطَبِيعَتَانِ وَأُقْنُومَانِ كَالْجَسَدِ وَالرُّوحِ وَأَمَّا مَنْ فَسَّرَ ذَلِكَ بِظُهُورِ اللَّاهُوتِ فِي النَّاسُوتِ فَهَذَا لَيْسَ مِنْ هَؤُلَاءِ.

وَذَكَرَ طَوَائِفَ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ كَابْنِ الزَّاغُونِيِّ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ جَمِيعًا يَقُولُونَ بِالِاتِّحَادِ وَالْحُلُولِ، لَكِنْ الِاتِّحَادُ فِي الْمَسِيحِ وَالْحُلُولُ فِي مَرْيَمَ، فَقَالُوا: اتَّفَقَتْ طَوَائِفُ النَّصَارَى عَلَى أَنَّ اللَّهَ جَوْهَرٌ وَاحِدٌ ثَلَاثَةُ أَقَانِيمَ وَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَقَانِيمِ جَوْهَرٌ خَاصٌّ يَجْمَعُهَا الْجَوْهَرُ الْعَامُّ وَذَكَرُوا اخْتِلَافًا بَيْنَهُمْ ثُمَّ قَالُوا وَزَعَمُوا أَنَّ الْجَوْهَرَ هُوَ الْأَبُ وَالْأَقَانِيمُ الْحَيَاةُ وَهِيَ رُوحُ الْقُدُسِ وَالْعِلْمُ وَالْقُدْرَةُ وَأَنَّ اللَّهَ اتَّحَدَ بِأَحَدِ الْأَقَانِيمِ الَّذِي هُوَ الِابْنُ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَكَانَ مَسِيحًا عِنْدَ الِاتِّحَادِ لَاهُوتِيًّا وَنَاسُوتِيًّا حُمِلَ وَوُلِدَ وَنَشَأَ وَقُتِلَ وَصُلِبَ وَدُفِنَ. ثُمَّ ذَكَرُوا الْيَعْقُوبِيَّةَ والنسطورية وَالْمَلَكِيَّةَ. قَالَ النَّاقِلُونَ عَنْهُمْ وَاخْتَلَفُوا فِي الْكَلِمَةِ الْمُلْقَاةِ إلَى مَرْيَمَ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنَّ الْكَلِمَةَ حَلَّتْ فِي مَرْيَمَ حُلُولَ الْمُمَازَجَةِ كَمَا يَحِلُّ الْمَاءُ فِي اللَّبَنِ فَيُمَازِجُهُ وَيُخَالِطُهُ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنَّهَا حَلَّتْ فِي مَرْيَمَ مِنْ غَيْرِ مُمَازَجَةٍ وَزَعَمَتْ طَائِفَةٌ مِنْ النَّصَارَى أَنَّ اللَّاهُوتَ مَعَ النَّاسُوتِ كَمِثْلِ الْخَاتَمِ مَعَ الشَّمْعِ يُؤَثِّرُ فِيهِ بِالنَّقْشِ ثُمَّ لَا يَبْقَى مِنْهُ شَيْءٌ إلَّا أَثَرٌ فِيهِ، ثُمَّ ذَكَرَ هَؤُلَاءِ

<<  <  ج: ص:  >  >>