عَنْهُمْ فِي الِاتِّحَادِ نَحْوَ مَا حَكَى الْأَوَّلُونَ فَقَالُوا قَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُهُمْ فِي الِاتِّحَادِ اتِّحَادًا مُتَبَايِنًا. فَزَعَمَ قَوْمٌ مِنْهُمْ أَنَّ الِاتِّحَادَ هُوَ أَنَّ الْكَلِمَةَ الَّتِي هِيَ الِابْنُ حَلَّتْ قَبْلَ جَسَدِ الْمَسِيحِ وَهَذَا قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ مِنْهُمْ وَزَعَمَ قَوْمٌ مِنْهُمْ أَنَّ الِاتِّحَادَ هُوَ الِاخْتِلَاطُ وَالِامْتِزَاجُ، وَقَالَ قَوْمٌ مِنْ الْيَعْقُوبِيَّةِ هُوَ أَنَّ كَلِمَةَ اللَّهِ انْقَلَبَتْ لَحْمًا وَدَمًا بِالِاتِّحَادِ، وَقَالَ كَثِيرٌ مِنْ الْيَعْقُوبِيَّةِ والنسطورية الِاتِّحَادُ هُوَ أَنَّ الْكَلِمَةَ وَالنَّاسُوتَ اخْتَلَطَا فَامْتَزَجَا كَاخْتِلَاطِ الْمَاءِ بِالْخَمْرِ وَالْخَمْرِ بِاللَّبَنِ وَقَالَ قَوْمٌ مِنْهُمْ أَنَّ الِاتِّحَادَ هُوَ أَنَّ الْكَلِمَةَ وَالنَّاسُوتَ اتَّحَدَا فَصَارَا هَيْكَلًا وَمَحَلًّا. وَقَالَ قَوْمٌ مِنْهُمْ الِاتِّحَادُ مِثْلُ ظُهُورِ صُورَةِ الْإِنْسَانِ فِي الْمِرْآةِ وَالطَّابَعِ فِي الْمَطْبُوعِ مِثْلُ الْخَاتَمِ فِي الشَّمْعِ، وَقَالَ قَوْمٌ مِنْهُمْ الْكَلِمَةُ اتَّحَدَتْ بِجَسَدِ الْمَسِيحِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهَا حَلَّتْهُ مِنْ غَيْرِ مُمَاسَّةٍ وَلَا مُمَازَجَةٍ كَمَا نَقُولُ إنَّ اللَّهَ فِي السَّمَاءِ وَعَلَى الْعَرْشِ مِنْ غَيْرِ مُمَاسَّةٍ وَلَا مُمَازَجَةٍ.
وَقَالَ الْمَلَكِيَّةُ الِاتِّحَادُ هُوَ أَنَّ الِاثْنَيْنِ صَارَا وَاحِدًا وَصَارَتْ الْكَثْرَةُ قِلَّةً فَزَعَمَ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ الَّذِينَ قَالُوا هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّحَدَا حَتَّى صَارَا شَيْئًا وَاحِدًا وَاَلَّذِينَ قَالُوا هُمَا جَوْهَرٌ وَاحِدٌ لَهُ طَبِيعَتَانِ فَيَقُولُونَ هُوَ وَلَدُهُ بِمَنْزِلَةِ الشُّعَاعِ الْمُتَوَلِّدِ عَنْ الشَّمْسِ، وَاَلَّذِينَ قَالُوا بِجَوْهَرَيْنِ وَطَبِيعَتَيْنِ وَأُقْنُومَيْنِ مَعَ الرَّبِّ قَالُوا ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ هَؤُلَاءِ لَيْسَ بِشَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ أَنَّ النَّصَارَى يَقُولُونَ إنَّهُ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ إنَّهُ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَ لَهُمْ لَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ مَعَ إخْبَارِهِ أَنَّ النَّصَارَى افْتَرَقُوا وَأُلْقِيَ بَيْنَهُمْ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ بِقَوْلِهِ: {وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} [المائدة: ١٤] .
وَقَدْ ذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ أَنَّ هَذَا إخْبَارٌ بِتَفَرُّقِهِمْ إلَى هَذِهِ الْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَقَدْ أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ عَقِبَ قَوْلِهِ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ بِمَا يَقْتَضِي أَنَّ هَؤُلَاءِ اتَّخَذُوهُ وَلَدًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: ١٧١] وَذَكَرَ أَيْضًا مَا يَقْتَضِي أَنَّ قَوْلَهُمْ إنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ مِنْ الشِّرْكِ، فَقَالَ تَعَالَى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [المائدة: ٧٢]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute