فَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ مِنْ الشِّرْكِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ مَعَ قَوْلِهِمْ إنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ فَلَا يَخُصُّونَهُ بِالْمَسِيحِ بَلْ يُثْبِتُونَ أَنَّ لَهُ وُجُودًا وَهُوَ الْأَبُ لَيْسَ هُوَ الْكَلِمَةَ الَّتِي فِي الْمَسِيحِ فَإِنَّ عِبَادَتَهُمْ إيَّاهُ مَعَهُ إشْرَاكٌ وَذَلِكَ مَضْمُومٌ إلَى قَوْلِهِ إنَّهُ هُوَ وَقَوْلِهِمْ إنَّهُ وَلَدُهُ وَقَدْ نَزَّهَ اللَّهُ نَفْسَهُ عَنْ هَذَا وَهَذَا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ الْقُرْآنِ، نَزَّهَ نَفْسَهُ عَنْ الشَّرِيكِ وَالْوَلَدِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ} [الإسراء: ١١١] وَقَالَ تَعَالَى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا - الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} [الفرقان: ١ - ٢] .
وَقَالَ تَعَالَى: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ} [الأنعام: ١٠٠] وَأَيْضًا فَهَذِهِ الْأَقْوَالُ لَا تَنْطَبِقُ عَلَى مَا ذُكِرَ فَإِنَّ الَّذِينَ يَقُولُونَ إنَّهُمَا اتَّحَدَا وَصَارَا شَيْئًا وَاحِدًا يَقُولُونَ أَيْضًا إنَّمَا اتَّحَدَ الْكَلِمَةُ الَّتِي هِيَ الِابْنُ. وَاَلَّذِينَ يَقُولُونَ هُمَا جَوْهَرٌ وَاحِدٌ لَهُ طَبِيعَتَانِ يَقُولُونَ إنَّ الْمَسِيحَ إلَهٌ وَإِنَّهُ اللَّهُ وَاَلَّذِينَ يَقُولُونَ إنَّهُ حَلَّ فِيهِ يَقُولُونَ حَلَّتْ فِيهِ الْكَلِمَةُ الَّتِي هِيَ الِابْنُ وَهِيَ اللَّهُ أَيْضًا بِوَجْهٍ آخَرَ كَمَا سَنَذْكُرُهُ.
وَأَيْضًا فَقَوْلُهُ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ اللَّهَ وَاللَّاهُوتَ الَّذِي فِي الْمَسِيحِ وَجَسَدِ الْمَسِيحِ فَإِنَّ أَحَدًا مِنْ النَّصَارَى لَا يَجْعَلُ لَاهُوتَ الْمَسِيحِ وَنَاسُوتَهُ إلَهَيْنِ وَيَفْصِلُ النَّاسُوتَ عَنْ اللَّاهُوتِ بَلْ سَوَاءٌ قَالَ بِالِاتِّحَادِ أَوْ بِالْحُلُولِ فَهُوَ تَابِعٌ لِلَّاهُوتِ، وَأَيْضًا فَقَوْلُهُ عَنْ النَّصَارَى {وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ} [النساء: ١٧١] {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ} [المائدة: ٧٣] .
قَدْ قِيلَ إنَّ الْمُرَادَ بِهِ قَوْلُ النَّصَارَى بِاسْمِ الْأَبِ وَالِابْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ إلَهٌ وَاحِدٌ وَهُوَ قَوْلُهُمْ بِالْجَوْهَرِ الْوَاحِدِ الَّذِي لَهُ الْأَقَانِيمُ الثَّلَاثَةُ الَّتِي يَجْعَلُونَهَا ثَلَاثَةَ جَوَاهِرَ وَثَلَاثَةَ أَقَانِيمَ أَيْ ثَلَاثَةَ صِفَاتٍ وَخَوَاصَّ، وَقَوْلُهُمْ إنَّهُ هُوَ اللَّهُ وَابْنُ اللَّهِ هُوَ الِاتِّحَادُ وَالْحُلُولُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute