الْأَشْعَرِيُّ وَيَمْدَحُونَهُ بِمَا كَانَ مِنْهُ مِنْ الرَّدِّ عَلَى أَهْلِ الْبِدَعِ الْكِبَارِ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَالرَّافِضَةِ وَنَحْوِهِمَا، وَيَذُبُّونَ عَنْهُ عِنْدَ مَنْ يَذُمُّهُ وَيَلْعَنُهُ، وَيُنَاصِحُونَ عَنْهُ مِنْ أَئِمَّةِ الطَّوَائِفِ يَعْتَرِفُونَ بِذَلِكَ وَيَقُولُونَ إنَّا نُخَالِفُهُ فِي ذَلِكَ، وَيَجْعَلُونَ ذَلِكَ مِنْ أَقْوَالِهِ الْمَتْرُوكَةِ، إذْ لِكُلِّ عَالِمٍ خَطَأٌ مِنْ قَوْلِهِ يُتْرَكُ، أَوْ يُمْسِكُونَ عَنْ نَصِّ هَذَا الْقَوْلِ وَالدُّعَاءِ إلَيْهِ لِعِلْمِهِمْ بِمَا فِيهِ مِنْ التَّنَاقُضِ وَالِاضْطِرَابِ.
وَاعْتُبِرَ ذَلِكَ بِمَا ذَكَرَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ الْجُوَيْنِيُّ وَالِدُ أَبِي الْمَعَالِي فِي آخِرِ كِتَابٍ حَقَّقَهُ سَمَّاهُ " عَقِيدَةُ أَصْحَابِ الْإِمَامِ الْمُطَّلِبِيِّ الشَّافِعِيِّ وَكَافَّةِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَقَدْ نَقَلَ هَذَا مِنْهُ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ عَسَاكِرَ فِي مَنَاقِبِهِ الَّذِي سَمَّاهُ " تَبْيِينُ كَذِبِ الْمُفْتَرِي فِيمَا يُنْسَبُ إلَى الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِي، وَجَمَعَ فِيهِ مَا أَمْكَنَهُ مِنْ مَنَاقِبِهِ، وَأَدْخَلَ فِي ذَلِكَ أُمُورًا أُخْرَى يُقَوِّي بِهَا ذَلِكَ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ: وَنَعْتَقِدُ أَنَّ الْمُصِيبَ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ فِي الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ وَاحِدٌ وَيَجِبُ التَّعْيِينُ فِي الْأُصُولِ، فَأَمَّا فِي الْفُرُوعِ فَرُبَّمَا مَا يَتَأَتَّى التَّعْيِينُ، وَرُبَّمَا لَا يَتَأَتَّى، وَمَذْهَبُ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَصْوِيبُ الْمُجْتَهِدِينَ، فِي الْفُرُوعِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَأَبُو الْحَسَنِ أَحَدُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَإِذَا خَالَفَهُ فِي شَيْءٍ أَعْرَضْنَا عَنْهُ فِيهِ.
وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ قَوْلُهُ: لَا صِيغَةَ لِلْأَلْفَاظِ وَيَقِلُّ وَيَعِزُّ مُخَالِفَتُهُ أُصُولَ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَنُصُوصَهُ، وَرُبَّمَا نَسَبَ الْمُبْتَدِعُونَ إلَيْهِ مَا هُوَ بَرِيءٌ عَنْهُ، كَمَا نَسَبُوا إلَيْهِ أَنَّهُ يَقُولُ لَيْسَ فِي الْمُصْحَفِ قُرْآنٌ، وَلَا فِي الْقَبْرِ نَبِيٌّ، وَكَذَلِكَ الِاسْتِثْنَاءُ فِي الْإِيمَانِ، وَنَفْيِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْخَلْقِ فِي الْأَزَلِ، وَتَكْفِيرُ الْعَوَامّ، وَإِيجَابُ عِلْمِ الدَّلِيلِ عَلَيْهِمْ.
قَالَ: وَقَدْ تَصَفَّحْتُ مَا تَصَفَّحْتُ مِنْ كُتُبِهِ فَوَجَدْتُهَا كُلَّهَا خِلَافَ مَا نُسِبَ إلَيْهِ، وَلَا عَجَبَ أَنْ اعْتَرَضُوا عَلَيْهِ وَافْتَرَضُوا فَإِنَّهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَاضِحُ الْقَدَرِيَّةِ وَعَامَّةِ الْمُبْتَدَعَةِ، وَكَاشِفُ عَوْرَاتِهِمْ وَلَا خَيْرَ فِيمَنْ لَا يَعْرِفُ حَاسِدَهُ.
وَقَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ فِي كِتَابِهِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ الَّذِي شَرَحَ فِيهِ رِسَالَةَ الشَّافِعِيّ وَسَمَّاهُ التَّعْلِيقَ ": مَسْأَلَةٌ فِي أَنَّ الْأَمْرَ أَمْرٌ لِصِيغَتِهِ أَوْ لِقَرِينَةٍ تَقْتَرِنُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute