وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَفُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ أَنَّ كَلَامَ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَمَنْ قَالَ مَخْلُوقٌ فَهُوَ كَافِرٌ، وَالْقُرْآنُ حَمَلَهُ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَسْمُوعًا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمِعَهُ مِنْ جِبْرِيلَ وَالصَّحَابَةُ سَمِعُوهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ الَّذِي نَقُولُهُ نَحْنُ بِأَلْسِنَتِنَا، وَفِيمَا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ، وَمَا فِي صُدُورِنَا مَسْمُوعًا وَمَكْتُوبًا وَمَحْفُوظًا وَمَنْقُوشًا، وَكُلُّ حَرْفٍ مِنْهُ كَالْبَاءِ وَالتَّاءِ، كُلُّهُ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَمَنْ قَالَ مَخْلُوقٌ فَهُوَ كَافِرٌ، عَلَيْهِ لَعَائِنُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ.
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ: وَكَانَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ شَدِيدَ الْإِنْكَارِ عَلَى الْبَاقِلَّانِيِّ وَأَصْحَابِ الْكَلَامِ، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: وَلَمْ يَزَلْ الْأَئِمَّةُ الشَّافِعِيَّةُ يَأْنَفُونَ وَيَسْتَنْكِفُونَ أَنْ يَنْسُبُوا إلَى الْأَشْعَرِيِّ، وَيَتَبَرَّءُونَ مِمَّا بَنَى الْأَشْعَرِيُّ مَذْهَبَهُ عَلَيْهِ، وَيَنْهَوْنَ أَصْحَابَهُمْ وَأَحْبَابَهُمْ عَنْ الْحَوْمِ حَوَالَيْهِ، عَلَى مَا سَمِعْت عِدَّةً مِنْ الْمَشَايِخِ وَالْأَئِمَّةِ، مِنْهُمْ الْحَافِظُ الْمُؤْتَمِنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ السَّاجِيُّ، يَقُولُونَ: سَمِعْنَا جَمَاعَةً مِنْ الْمَشَايِخِ الثِّقَاتِ قَالُوا: كَانَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ طَاهِرٍ الْإسْفَرايِينِيّ إمَامُ الْأَئِمَّةِ الَّذِي طَبَّقَ الْأَرْضَ عِلْمًا وَأَصْحَابًا إذَا سَعَى إلَى الْجُمُعَةِ مِنْ قَطِيعَةِ الْكَرْخِ إلَى جَامِعِ الْمَنْصُورِ وَيَدْخُلُ الرِّيَاضَ الْمَعْرُوفَ بِالرَّوْزِي الْمُحَاذِي لِلْجَامِعِ وَيُقْبِلُ عَلَى مَنْ حَضَرَ وَيَقُولُ: اشْهَدُوا عَلَيَّ بِأَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، كَمَا قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، لَا كَمَا يَقُولُ الْبَاقِلَّانِيُّ وَتَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ فِي جَمَاعَاتٍ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: حَتَّى يَنْتَشِرَ فِي النَّاسِ، وَفِي أَهْلِ الصَّلَاحِ وَيَشِيعَ الْخَبَرُ فِي الْبِلَادِ أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا هُمْ عَلَيْهِ، يَعْنِي الْأَشْعَرِيَّ، وَبَرِيءٌ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيِّ، فَإِنَّ جَمَاعَةً مِنْ الْمُتَفَقِّهَةِ الْغُرَبَاءِ يَدْخُلُونَ عَلَى الْبَاقِلَّانِيِّ خُفْيَةً، فَيَقْرَءُونَ عَلَيْهِ فَيُفْتَنُونَ بِمَذْهَبِهِ فَإِذَا رَجَعُوا إلَى بِلَادِهِمْ أَظْهَرُوا بِدْعَتَهُمْ لَا مَحَالَةَ، فَيَظُنُّ ظَانٌّ أَنَّهُمْ مِنِّي تَعَلَّمُوهُ، وَأَنَا قُلْته، وَأَنَا بَرِيءٌ مِنْ مَذْهَبِ الْبَاقِلَّانِيِّ، وَعَقِيدَتِهِ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ: وَسَمِعْت شَيْخِي الْإِمَامَ أَبَا مَنْصُورٍ الْفَقِيهَ الْأَصْبَهَانِيَّ يَقُولُ: سَمِعْت شَيْخَنَا الْإِمَامَ أَبَا بَكْرٍ الزَّاذَقَانِيَّ يَقُولُ: كُنْت فِي دَرْسِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ وَكَانَ يَنْهَى أَصْحَابَهُ عَنْ الْكَلَامِ وَعَنْ الدُّخُولِ عَلَى الْبَاقِلَّانِيِّ، فَبَلَغَهُ أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِهِ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِ خُفْيَةً لِقِرَاءَةِ الْكَلَامِ، فَظَنَّ أَنِّي مَعَهُمْ وَمِنْهُمْ، وَذَكَرَ قِصَّةً قَالَ فِي آخِرِهَا: إنَّ الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ قَالَ لِي: يَا بُنَيَّ، بَلَغَنِي أَنَّك تَدْخُلُ عَلَى هَذَا الرَّجُلِ يَعْنِي الْبَاقِلَّانِيَّ فَإِيَّاكَ وَإِيَّاهُ فَإِنَّهُ مُبْتَدِعٌ يَدْعُو النَّاسَ إلَى الضَّلَالِ. وَإِلَّا فَلَا تَحْضُرْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute