للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمِحْنَةِ، وَإِشْعَارِ مَا أَشَارَ بِإِطْفَائِهِ فِي رِسَالَتِهِ مِنْ الْفِتْنَةِ مِمَّا تَقَدَّمَ بِهِ مِنْ سَبِّ حِزْبَ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ فِي دَوْلَةِ السُّلْطَانِ ظَفَرْلَنْكْ وَوَزِيرِهِ أَبِي نَصْرٍ مَنْصُورِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْكُنْدُرِيِّ، وَكَانَ السُّلْطَانُ حَنَفِيًّا سُنِّيًّا، وَكَانَ وَزِيرُهُ مُعْتَزِلِيًّا رَافِضِيًّا، فَلَمَّا أَمَرَ السُّلْطَانُ بِلَعْنِ الْمُبْتَدِعَةِ عَلَى الْمَنَابِرِ فِي الْجُمَعِ، قَرَنَ الْكُنْدُرِيُّ لِلتَّسَلِّي وَالتَّشَفِّي اسْمَ الْأَشْعَرِيَّةِ بِأَسْمَاءِ أَرْبَابِ الْبِدَعِ، وَامْتَحَنَ الْأَئِمَّةَ الْأَمَاثِلَ وَقَصَدَ الصُّدُورَ الْأَفَاضِلَ، وَعَزَلَ أَبَا عُثْمَانَ الصَّابُونِيَّ عَنْ الْخَطَابَةِ بِنَيْسَابُورَ، وَفَوَّضَهَا إلَى بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ، وَخَرَجَ الْأُسْتَاذُ أَبُو الْقَاسِمِ وَالْإِمَامُ أَبُو الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيُّ عَنْ الْبَلَدِ، فَلَمْ يَكُنْ إلَّا يَسِيرًا حَتَّى مَاتَ ذَلِكَ السُّلْطَانُ وَتَوَلَّى ابْنُهُ الْبَارْسِلَانُ وَاسْتَوْزَرَ الْوَزِيرَ الْكَامِلَ أَبَا عَلِيٍّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ إِسْحَاقَ فَأَعَزَّ أَهْلَ السُّنَّةِ وَقَمَعَ أَهْلَ النِّفَاقِ وَأَمَرَ بِإِسْقَاطِ ذِكْرِهِمْ مِنْ السَّبِّ، وَإِفْرَادِ مَنْ عَدَاهُمْ بِاللَّعْنِ وَالسَّبِّ، وَاسْتَرْجَعَ مَنْ خَرَجَ مِنْهُمْ إلَى وَطَنِهِ، وَاسْتَقْدَمَهُ مُكَرَّمًا بَعْدَ بُعْدِهِ وَظَعْنِهِ. وَذَكَرَ قِصَّةَ أَبِي الْقَاسِمِ الْقُشَيْرِيِّ الَّتِي سَمَّاهَا " شِكَايَةُ أَهْلِ السُّنَّةِ "، بِحِكَايَةِ مَا نَالَهُمْ مِنْ الْمِحْنَةِ ".

قَالَ فِيهَا: وَمِمَّا ظَهَرَ بِنَيْسَابُورَ فِي مُفْتَتَحِ سَنَةِ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ وَأَرْبَعمِائَةٍ مَا دَعَا أَهْلَ الدِّينِ إلَى سُوءِ ضُرٍّ أَضَرَّهُمْ وَكَشَفَ قِنَاعَ صَبْرِهِمْ.

إلَى أَنْ قَالَ: ذَلِكَ بِمَا أَحْدَثَ مِنْ لَعْنِ إمَامِ الدِّينِ وَسِرَاجِ قَدَمِ ذَوِي الْيَقِينِ مُحْيِي السُّنَّةِ وَقَامِعِ الْبِدْعَةِ نَاصِرِ الْحَقِّ وَنَاصِحِ الْخَلْقِ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ. قَالَ فِيهَا: وَلَمَّا مَنَّ اللَّهُ الْكَرِيمُ عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ بِزِمَامِ الْمَلِكِ الْمُعَظَّمِ الْمُحَكَّمِ بِالْقُوَّةِ السَّمَاوِيَّةِ فِي رِقَابِ الْأُمَمِ الْمَلِكِ الْأَجَلِّ شَاهِنْشَاهْ يَمِينِ خَلِيفَةِ اللَّهِ وَغِيَاثِ عِبَادِ اللَّهِ ظَفَرْلَنْكْ أَبِي طَالِبٍ مُحَمَّدِ بْنِ مِيكَائِيلَ وَقَامَ بِإِحْيَاءِ السُّنَّةِ وَالْمُنَاضَلَةِ عَنْ الْمِلَّةِ حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْ أَصْنَافِ الْمُبْتَدِعَةِ إلَّا سَلَّ لِاسْتِئْصَالِهِمْ سَيْفًا عَضْبًا وَإِذَاقَتِهِمْ ذُلًّا وَخَسْفًا، وَعَقَّبَ لِآرَائِهِمْ نَسْفًا، حَرِجَتْ صُدُورُ أَهْلِ الْبِدَعِ عَنْ تَحَمُّلِ هَذِهِ النِّقَمِ وَضَاقَ صَبْرُهُمْ عَنْ مُقَاسَاةِ هَذَا الْأَلَمِ، وَغُمُّوا بِلَعْنِ أَنْفُسِهِمْ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ بِأَلْسِنَتِهِمْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ بِانْفِرَادِهِمْ بِالْوُقُوعِ فِي مَهْوَاةِ مَحَبَّتِهِمْ فَسَوَّلَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَمْرًا فَظَنُّوا أَنَّهُمْ بِنَوْعِ تَلْبِيسٍ أَوْ ضَرْبِ تَدْلِيسٍ يَجِدُونَ لِعُسْرِهِمْ يُسْرًا فَسَعَوْا إلَى عَالِي مَجْلِسِ السُّلْطَانِ بِنَوْعِ نَمِيمَةٍ، وَنَسَبُوا الْأَشْعَرِيَّ إلَى مَذَاهِبَ ذَمِيمَةٍ، وَحَكَوْا عَنْهُ مَقَالَاتٍ لَا يُوجَدُ فِي كُتُبِهِ مِنْهَا حَرْفٌ وَلَمْ نَرَ فِي الْمَقَالَاتِ الْمُصَنَّفَةِ لِلْمُتَكَلِّمِينَ الْمُوَافِقِينَ وَالْمُخَالِفِينَ مِنْ وَقْتِ الْأَوَائِلِ إلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>