للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

زَمَانِنَا هَذَا لِشَيْءٍ مِنْهَا حِكَايَةً وَلَا وَصْفًا، بَلْ كُلُّ ذَلِكَ تَصْوِيرُ تَزْوِيرٍ وَبُهْتَانٌ بِغَيْرِ تَقْدِيرٍ.

وَمَا نَقَمُوا مِنْ الْأَشْعَرِيِّ إلَّا أَنَّهُ قَالَ بِإِثْبَاتِ الْقَدَرِ لِلَّهِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، نَفْعِهِ وَضُرِّهِ، وَإِثْبَاتِ صِفَاتِ الْجَلَالِ مِنْ قُدْرَتِهِ وَعِلْمِهِ وَإِرَادَتِهِ وَحَيَاتِهِ وَبَقَائِهِ وَسَمْعِهِ وَبَصَرِهِ وَكَلَامِهِ وَوَجْهِهِ وَيَدِهِ وَأَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ وَأَنَّهُ تَعَالَى مَوْجُودٌ تَجُوزُ رُؤْيَتُهُ، وَأَنَّ إرَادَتَهُ نَافِذَةٌ فِي مُرَادَاتِهِ، وَمَا لَا يَخْفَى مِنْ مَسَائِلِ الْأُصُولِ الَّتِي تُخَالِفُ طَرِيقَةَ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْجَهْمِيَّةِ، وَذَكَرَ تَمَامَ الْكَلَامِ فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي نُسِبَتْ إلَيْهِ.

وَهُوَ كَلَامٌ طَوِيلٌ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهُ. وَإِنَّمَا الْغَرَضُ التَّنْبِيهُ عَلَى سَبَبِ لَعْنِهِمْ عَلَى مَا نَقَلَهُ أَصْحَابُهُ الْمُعَظِّمُونَ لَهُ.

وَأَمَّا بَغْدَادُ فَلَمْ تَجْرِ فِيهَا لَعْنَةُ أَحَدٍ عَلَى الْمَنَابِرِ، بَلْ كَانَتْ الْأَشْعَرِيَّةُ مُنْتَسِبَةً إلَى الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَسَائِرُ أَئِمَّةِ الْمَسَاجِدِ كَمَا ذَكَرَهُ الْأَشْعَرِيُّ فِي كِتَابِ الْإِبَانَةِ " وَهَذَا هُوَ الَّذِي اعْتَمَدَ عَلَيْهِ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي وَصْفِ اعْتِقَادِ الْأَشْعَرِيِّ.

قَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ وَصْفِ مَنْ وَصَفَ مِنْ الْعُلَمَاءِ: وَالْأَشْعَرِيُّ بِالرَّدِّ عَلَى الْبِدَعِ وَالِانْتِصَارِ لِلسُّنَّةِ وَمَا يُشْبِهُ ذَلِكَ، فَإِذَا كَانَ أَبُو الْحَسَنِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

ذُكِرَ عَنْهُ مِنْ حُسْنِ الِاعْتِقَادِ مُسْتَصْوَبَ الْمَذْهَبِ عِنْدَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْعِلْمِ وَالِانْتِقَادِ، يُوَافِقُهُ فِي أَكْثَرِ مَا يَذْهَبُ إلَيْهِ أَكَابِرُ الْعِبَادِ، وَلَا يَقْدَحُ فِي مُعْتَقَدِهِ غَيْرُ أَهْلِ الْجَهْلِ وَالْعِنَادِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَحْكِيَ عَنْ مُعْتَقَدِهِ عَلَى وَجْهِ الْأَمَانَةِ، وَيَجْتَنِبَ أَنْ يَزِيدَ فِيهِ أَوْ يُنْقِصَ مِنْهُ تَرْكًا لِلْخِيَانَةِ، لِيَعْلَمَ حَقِيقَةَ حَالِهِ فِي صِحَّةِ عَقِيدَتِهِ فِي أُصُولِ الدِّيَانَةِ. فَاسْمَعْ مَا ذَكَرَ. فِي أَوَّلِ كِتَابِهِ الَّذِي سَمَّاهُ الْإِبَانَةَ ". فَإِنَّهُ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الْأَحَدُ الْوَاحِدُ الْعَزِيزُ الْمَاجِدُ، وَسَاقَ الْخُطْبَةَ إلَى أَنْ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَأَهْلِ الْقَدَرِ مَالَتْ بِهِمْ أَهْوَاؤُهُمْ إلَى التَّقْلِيدِ لِرُؤَسَائِهِمْ وَمَنْ مَضَى مِنْ أَسْلَافِهِمْ، فَتَأَوَّلُوا الْقُرْآنَ عَلَى آرَائِهِمْ تَأْوِيلًا لَمْ يُنْزِلْ اللَّهُ بِهِ سُلْطَانًا وَلَا أَوْضَحَ بِهِ بُرْهَانًا، وَلَا نَقَلُوهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ

وَلَا عَنْ السَّلَفِ الْمُتَقَدِّمِينَ، فَخَالَفُوا رِوَايَةَ الصَّحَابَةِ عَنْ النَّبِيِّ

فِي رُؤْيَةِ اللَّهِ بِالْأَبْصَارِ، وَقَدْ جَاءَتْ فِي ذَلِكَ الرِّوَايَاتُ مِنْ الْجِهَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَتَوَاتَرَتْ بِهَا الْآثَارُ وَتَتَابَعَتْ بِهَا الْأَخْبَارُ، وَأَنْكَرُوا شَفَاعَةَ رَسُولِ اللَّهِ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَرَدُّوا الرِّوَايَةَ فِي ذَلِكَ عَنْ السَّلَفِ

<<  <  ج: ص:  >  >>