لَا عَمَلَ بِهَا، وَأَنَّهَا نَظَرٌ مَحْضٌ، لَيْسَ فِيهِ عَمَلٌ كَالْكَلَامِ فِي مَبْدَإِ اللُّغَاتِ وَشَبَهِ ذَلِكَ، عَلَى أَنَّ الْحَقَّ الَّذِي لَا رَادَّ لَهُ: أَنَّ قَبْلَ الشَّرْعِ لَا تَحْلِيلَ وَلَا تَحْرِيمَ، فَإِذًا لَا تَحْرِيمَ يُسْتَصْحَبُ وَيُسْتَدَامُ فَيَبْقَى الْآنَ كَذَلِكَ، وَالْمَقْصُودُ خُلُوُّهَا عَنْ الْمَآثِمِ وَالْعُقُوبَاتِ.
وَأَمَّا مَسْلَكُ الِاعْتِبَارِ بِالْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ، وَاجْتِهَادِ الرَّأْيِ فِي الْأُصُولِ الْجَوَامِعِ فَمِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ نُنَبِّهُ عَلَى بَعْضِهَا: أَحَدُهَا: أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ خَلَقَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ، وَجَعَلَ فِيهَا لِلْإِنْسَانِ مَتَاعًا وَمَنْفَعَةً، وَمِنْهَا مَا قَدْ يَضْطَرُّ إلَيْهِ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ جَوَادٌ، مَاجِدٌ كَرِيمٌ رَحِيمٌ، غَنِيٌّ صَمَدٌ، وَالْعِلْمُ بِذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى الْعِلْمِ بِأَنَّهُ لَا يُعَاقِبُهُ، وَلَا يُعَذِّبُهُ عَلَى مُجَرَّدِ اسْتِمْتَاعِهِ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ، وَثَانِيهَا: أَنَّهَا مَنْفَعَةٌ خَالِيَةٌ عَنْ مَضَرَّةٍ، فَكَانَتْ مُبَاحَةً كَسَائِرِ مَا نُصَّ عَلَى تَحْلِيلِهِ، وَهَذَا الْوَصْفُ قَدْ دَلَّ عَلَى تَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِهِ النَّصُّ، وَهُوَ قَوْلُهُ: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: ١٥٧] .
فَكُلُّ مَا نَفَعَ فَهُوَ طَيِّبٌ، وَكُلُّ مَا ضَرَّ فَهُوَ خَبِيثٌ. وَالْمُنَاسَبَةُ الْوَاضِحَةُ لِكُلِّ ذِي لُبٍّ أَنَّ النَّفْعَ يُنَاسِبُ التَّحْلِيلَ، وَالضَّرَرَ يُنَاسِبُ التَّحْرِيمَ، وَالدَّوَرَانَ، فَإِنَّ التَّحْرِيمَ يَدُورُ مَعَ الْمَضَارِّ وُجُودًا فِي الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ، وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ، وَذَوَاتِ الْأَنْيَابِ، وَالْمَخَالِبِ، وَالْخَمْرِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يَضُرُّ بِأَنْفُسِ النَّاسِ، وَعُدَّ مَا فِي الْأَنْعَامِ وَالْأَلْبَانِ وَغَيْرِهَا.
وَثَالِثُهَا: أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ، إمَّا أَنْ يَكُونَ لَهَا حُكْمٌ، أَوْ لَا يَكُونُ، وَالْأَوَّلُ صَوَابٌ، وَالثَّانِي بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ. وَإِذَا كَانَ لَهَا حُكْمٌ بِالْوُجُوبِ، وَالْكَرَاهَةِ، وَالِاسْتِحْبَابِ مَعْلُومَةُ الْبُطْلَانِ بِالْكُلِّيَّةِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute