أَحَدُهُمَا: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ بَوْلٌ وَرَوْثٌ، وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ تَنْبِيهِ النُّصُوصِ فَقَدْ سَلَفَ الْجَوَابُ: بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا بَوْلُ الْإِنْسَانِ، وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ الْمُنَاسَبَةِ، فَنَقُولُ: التَّعْلِيلُ إمَّا أَنْ يَكُونَ بِجِنْسِ اسْتِخْبَاثِ النَّفْسِ وَاسْتِقْذَارِهَا، أَوْ بِقَدْرٍ مَحْدُودٍ مِنْ الِاسْتِخْبَاثِ وَالِاسْتِقْذَارِ.
فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ، وَجَبَ تَنْجِيسُ كُلِّ مُسْتَخْبَثٍ مُسْتَقْذَرٍ، فَيَجِبُ نَجَاسَةُ الْمُخَاطِ، وَالْبُصَاقِ، وَالنُّخَامَةِ، بَلْ نَجَاسَةُ الْمَنِيِّ الَّذِي جَاءَ الْأَثَرُ بِإِمَاطَتِهِ مِنْ الثِّيَابِ، بَلْ رُبَّمَا نَفَرَتْ النُّفُوسُ عَنْ بَعْضِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَشَدَّ مِنْ نُفُورِهَا عَنْ أَرْوَاثِ الْمَأْكُولِ مِنْ الْبَهَائِمِ، مِثْلُ مَخْطَةِ الْمَجْذُومِ إذَا اخْتَلَطَ بِالطَّعَامِ، وَنُخَامَةِ الشَّيْخِ الْكَبِيرِ إذَا وُضِعَتْ فِي الشَّرَابِ، وَرُبَّمَا كَانَ ذَلِكَ مَدْعَاةً لِبَعْضِ الْأَنْفُسِ إلَى أَنْ يَذْرَعَهُ الْقَيْءُ.
وَإِنْ كَانَ التَّعْلِيلُ بِقَدْرٍ مُوَقَّتٍ مِنْ الِاسْتِقْذَارِ، فَهَذَا قَدْ يَكُونُ حَقًّا، لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ الْحَدِّ الْفَاصِلِ بَيْنَ الْقَدْرِ مِنْ الِاسْتِخْبَاثِ الْمُوجِبِ لِلتَّنْجِيسِ، وَبَيْنَ مَا لَا يُوجِبُ وَلَمْ يُبَيِّنْ ذَلِكَ، وَلَعَلَّ هَذِهِ الْأَعْيَانَ مِمَّا يَنْقُضُ بَيَانَ اسْتِقْذَارِهَا الْحَدُّ الْمُعْتَبَرُ. ثُمَّ إنَّ التَّقْدِيرَاتِ فِي الْأَسْبَابِ وَالْأَحْكَامِ إنَّمَا تُعْلَمُ مِنْ جِهَةِ اسْتِقْذَارِهَا عَنْ الشَّرْعِ فِي الْأَمْرِ الْغَالِبِ فَنَقُولُ: مَتَى حُكِمَ بِنَجَاسَةِ نَوْعٍ، عَلِمْنَا أَنَّهُ مِمَّا غَلُظَ اسْتِخْبَاثُهُ، وَمَتَى لَمْ يُحْكَمْ بِنَجَاسَةِ نَوْعٍ عَلِمْنَا أَنَّهُ لَمْ يَغْلُظْ اسْتِخْبَاثُهُ، فَنَعُودُ مُسْتَدِلِّينَ بِالْحُكْمِ عَلَى الْمُعْتَبَرِ مِنْ الْعِلَّةِ، فَمَتَى اسْتَرَبْنَا فِي الْحُكْمِ فَنَحْنُ فِي الْعِلَّةِ أَشَدُّ اسْتِرَابَةً، فَبَطَلَ هَذَا، وَأَمَّا الشَّاهِدُ بِالِاعْتِبَارِ، فَكَمَا أَنَّهُ شَهِدَ لِجِنْسِ الِاسْتِخْبَاثِ شَهِدَ لِلِاسْتِخْبَاثِ الشَّدِيدِ، وَالِاسْتِقْذَارِ الْغَلِيظِ، وَثَانِيهِمَا: أَنْ نَقُولَ: لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ بَوْلُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ، وَهَذِهِ عِلَّةٌ مُطَّرِدَةٌ بِالْإِجْمَاعِ مِنَّا وَمِنْ الْمُخَالِفِينَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ، وَالِانْعِكَاسُ إنْ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا فَقَدْ حَصَلَ الْغَرَضُ، وَإِنْ كَانَ شَرْطًا فِي الْعِلَلِ فَنَقُولُ فِيهِ مَا قَالُوا فِي اطِّرَادِ الْعِلَّةِ الْأُولَى، حَيْثُ خُولِفُوا فِيهِ، وَعَدَمُ الِانْعِكَاسِ أَيْسَرُ مِنْ عَدَمِ الِاطِّرَادِ.
وَإِذَا افْتَرَقَ الصِّنْفَانِ فِي اللَّحْمِ، وَالْعَظْمِ وَاللَّبَنِ، وَالشَّعْرِ فَلِمَ لَا يَجُوزُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute