افْتِرَاقُهُمَا فِي الرَّوْثِ، وَالْبَوْلِ، وَهَذِهِ الْمُنَاسَبَةُ أَبْيَنُ، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَجْزَاءِ هُوَ بَعْضٌ مِنْ أَبْعَاضِ الْبَهِيمَةِ، أَوْ مُتَوَلِّدٌ مِنْهَا، فَيَلْحَقُ سَائِرَهَا، قِيَاسًا لِبَعْضِ الشَّيْءِ عَلَى جُمْلَتِهِ.
فَإِنْ قِيلَ: هَذَا مَنْقُوضٌ بِالْإِنْسَانِ، فَإِنَّهُ طَاهِرٌ، وَلَبَنُهُ طَاهِرٌ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ أَمْوَاهِهِ وَفَضَلَاتِهِ، وَمَعَ هَذَا فَرَوْثُهُ وَبَوْلُهُ مِنْ أَخْبَثِ الْأَخْبَاثِ، فَحَصَلَ الْفَرْقُ فِيهِ بَيْنَ الْبَوْلِ وَغَيْرِهِ.
فَنَقُولُ: اعْلَمْ أَنَّ الْإِنْسَانَ فَارَقَ غَيْرَهُ مِنْ الْحَيَوَانِ فِي هَذَا الْبَابِ، طَرْدًا وَعَكْسًا، فَقِيَاسُ الْبَهَائِمِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ، وَجَعْلُهَا فِي حَيِّزٍ يُبَايِنُ حَيِّزَ الْإِنْسَانِ. وَجَعْلُ الْإِنْسَانِ فِي حَيِّزٍ هُوَ الْوَاجِبُ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُنَجَّسُ بِالْمَوْتِ عَلَى الْمُخْتَارِ، وَهِيَ تُنَجَّسُ بِالْمَوْتِ، ثُمَّ بَوْلُهُ أَشَدُّ مِنْ بَوْلِهَا؟ أَلَا تَرَى أَنَّ تَحْرِيمَهُ مُفَارِقٌ لِتَحْرِيمِ غَيْرِهِ مِنْ الْحَيَوَانِ؛ لِكَرَمِ نَوْعِهِ، وَحُرْمَتِهِ، حَتَّى يَحْرُمَ الْكَافِرُ وَغَيْرُهُ، وَحَتَّى لَا يَحِلَّ أَنْ يُدْبَغَ جِلْدُهُ، مَعَ أَنَّ بَوْلَهُ أَشَدُّ وَأَغْلَظُ.
فَهَذَا وَغَيْرُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ بَوْلَ الْإِنْسَانِ فَارَقَ سَائِرَ فَضَلَاتِهِ أَشَدَّ مِنْ مُفَارَقَةِ بَوْلِ الْبَهَائِمِ فَضَلَاتِهَا، إمَّا لِعُمُومِ مُلَابَسَتِهِ حَتَّى لَا يُسْتَخَفَّ بِهِ، أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا اللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ، عَلَى أَنَّهُ يُقَالُ فِي عَذِرَةِ الْإِنْسَانِ وَبَوْلِهِ مِنْ الْخُبْثِ وَالنَّتِنِ، وَالْقَذَرِ، مَا لَيْسَ فِي عَامَّةِ الْأَبْوَالِ وَالْأَرْوَاثِ، وَفِي الْجُمْلَةِ: فَإِلْحَاقُ الْأَبْوَالِ بِاللُّحُومِ فِي الطَّهَارَةِ وَالنَّجَاسَةِ أَحْسَنُ طَرْدًا مِنْ غَيْرِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّانِي: فَنَقُولُ ذَلِكَ الْأَصْلُ فِي الْآدَمِيِّينَ مُسَلَّمٌ، وَاَلَّذِي جَاءَ عَنْ السَّلَفِ إنَّمَا جَاءَ فِيهِمْ مِنْ الِاسْتِحَالَةِ فِي أَبْدَانِهِمْ، وَخُرُوجُهُ مِنْ الشِّقِّ الْأَعْلَى أَوْ الْأَسْفَلِ، فَمِنْ أَيْنَ يُقَالُ: كَذَلِكَ سَائِرُ الْحَيَوَانِ، وَقَدْ مَضَتْ الْإِشَارَةُ إلَى الْفَرْقِ؟ ثُمَّ مُخَالِفُوهُمْ يَمْنَعُونَهُمْ أَكْثَرَ الْأَحْكَامِ فِي الْبَهَائِمِ، فَيَقُولُونَ: قَدْ ثَبَتَ أَنَّ مَا خَبُثَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute