لَحْمُهُ خَبُثَ لَبَنُهُ وَمَنِيُّهُ، بِخِلَافِ الْآدَمِيِّ، فَبَطَلَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ فِي الِاسْتِحَالَةِ بَلْ قَدْ يَقُولُونَ إنَّ جَمِيعَ الْفَضَلَاتِ الرَّطْبَةِ مِنْ الْبَهَائِمِ حُكْمُهَا سَوَاءٌ، فَمَا طَابَ لَحْمُهُ طَابَ لَبَنُهُ، وَبَوْلُهُ وَرَوْثُهُ، وَمَنِيُّهُ وَعَرَقُهُ، وَرِيقُهُ وَدَمْعُهُ، وَمَا خَبُثَ لَحْمُهُ خَبُثَ لَبَنُهُ وَرِيقُهُ، وَبَوْلُهُ وَرَوْثُهُ، وَمَنِيُّهُ وَعَرَقُهُ، وَدَمْعُهُ، وَهَذَا قَوْلٌ يَقُولُهُ أَحْمَدُ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ وَقَدْ قَالَهُ غَيْرُهُ، وَبِالْجُمْلَةِ: فَاللَّبَنُ، وَالْمَنِيُّ يَشْهَدُ لَهُمْ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْإِنْسَانِ وَالْحَيَوَانِ شَهَادَةً قَاطِعَةً، وَبِاسْتِوَاءِ الْفَضَلَاتِ مِنْ الْحَيَوَانِ ضَرْبًا مِنْ الشَّهَادَةِ.
فَعَلَى هَذَا يُقَالُ لِلْإِنْسَانِ: يُفَرَّقُ بَيْنَ مَا يَخْرُجُ مِنْ أَعْلَاهُ وَأَسْفَلِهِ، لِمَا اللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ، فَإِنَّهُ مُنْتَصِبُ الْقَامَةِ، نَجَاسَتُهُ كُلُّهَا فِي أَعَالِيهِ، وَمَعِدَتِهِ الَّتِي هِيَ مَحَلُّ اسْتِحَالَةِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فِي الشِّقِّ الْأَسْفَلِ، وَأَمَّا الثَّدْيُ، وَنَحْوُهُ فَهُوَ فِي الشِّقِّ الْأَعْلَى، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْبَهِيمَةُ، فَإِنَّ ضَرْعَهَا فِي الْجَانِبِ الْمُؤَخَّرِ مِنْهَا، وَفِيهِ اللَّبَنُ الطَّيِّبُ، وَلَا مَطْمَعَ فِي إثْبَاتِ الْأَحْكَامِ بِمِثْلِ هَذِهِ الْحَزَوَّرَاتِ.
وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّالِثُ: فَمَدَارُهُ عَلَى الْفَصْلِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِنْ الطَّاهِرَاتِ، فَإِنْ فُصِلَ بِنَوْعِ الِاسْتِقْذَارِ بَطَلَ بِجَمِيعِ الْمُسْتَقْذَرَاتِ، الَّتِي رُبَّمَا كَانَتْ أَشَدَّ اسْتِقْذَارًا مِنْهُ، وَإِنْ فُصِلَ بِقَدْرٍ خَاصٍّ فَلَا بُدَّ مِنْ تَوْقِيتِهِ، وَقَدْ مَضَى تَقْرِيرُ هَذَا، وَأَمَّا الْجَوَابُ الْعَامُّ فَمِنْ أَوْجُهٍ ثَلَاثَةٍ. أَحَدُهَا: أَنَّ هَذَا قِيَاسٌ، فِي مُقَابَلَةِ الْآثَارِ الْمَنْصُوصَةِ، وَهُوَ قِيَاسٌ فَاسِدُ الْوَضْعِ. " مَنْ جَمَعَ بَيْنَ مَا فَرَّقَتْ السُّنَّةُ بَيْنَهُ فَقَدْ ضَاهَى قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا: {إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: ٢٧٥] ، وَلِذَلِكَ طَهَّرَتْ السُّنَّةُ هَذَا، وَنَجَّسَتْ هَذَا.
الثَّانِي: أَنَّ هَذَا قِيَاسٌ فِي بَابٍ لَمْ تَظْهَرْ أَسْبَابُهُ وَأَنْوَاطُهُ، وَلَمْ يَتَبَيَّنْ مَأْخَذُهُ، وَمَا بَلْ النَّاسُ فِيهِ عَلَى قِسْمَيْنِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute