وَكَذَلِكَ الْقَصْرُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ: كَأَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ.
وَكَذَلِكَ صَلَاةُ الْخَوْفِ تَجِبُ فِي الْوَقْتِ، مَعَ إمْكَانِ أَنْ يُؤَخِّرَهَا فَلَا يَسْتَدْبِرُ الْقِبْلَةَ، وَلَا يَعْمَلُ عَمَلًا كَثِيرًا فِي الصَّلَاةِ، وَلَا يَتَخَلَّفُ عَنْ الْإِمَامِ بِرَكْعَةٍ، وَلَا يُفَارِقُ الْإِمَامَ قَبْلَ السَّلَامِ، وَلَا يَقْضِي مَا سُبِقَ بِهِ قَبْلَ السَّلَامِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يُفْعَلُ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا لِأَجْلِ الْوَقْتِ، وَإِلَّا فَفِعْلُهَا بَعْدَ الْوَقْتِ وَلَوْ بِاللَّيْلِ مُمْكِنٌ عَلَى الْإِكْمَالِ.
وَكَذَلِكَ مَنْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ، وَأَمْكَنَهُ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ إلَى أَنْ يَأْتِيَ مِصْرًا يَعْلَمُ فِيهِ الْقِبْلَةَ لَمْ يَجُزْ لَهُ ذَلِكَ؛ وَإِنَّمَا نَازَعَ مَنْ نَازَعَ إذَا أَمْكَنَهُ تَعَلُّمُ دَلَائِلِ الْقِبْلَةِ، وَلَا يَتَعَلَّمُهَا حَتَّى يَخْرُجَ الْوَقْتُ. وَهَذَا النِّزَاعُ هُوَ الْقَوْلُ الْمُحْدَثُ الشَّاذُّ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ.
وَأَمَّا النِّزَاعُ الْمَعْرُوفُ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ فِي مِثْلِ مَا إذَا اسْتَيْقَظَ النَّائِمُ فِي آخِرِ الْوَقْتِ وَلَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يُصَلِّيَ قَبْلَ الطُّلُوعِ بِوُضُوءٍ: هَلْ يُصَلِّي بِتَيَمُّمٍ؟ أَوْ يَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّ بَعْدَ الطُّلُوعِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ: الْأَوَّلُ: قَوْلُ مَالِكٍ: مُرَاعَاةً لِلْوَقْتِ. الثَّانِي: قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ كَأَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ.
وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ هِيَ الَّتِي تَوَهَّمَ مَنْ تَوَهَّمَ أَنَّ الشَّرْطَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَقْتِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ فَإِنَّ الْوَقْتَ فِي حَقِّ النَّائِمِ هُوَ مِنْ حِينِ يَسْتَيْقِظُ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا فَإِنَّ ذَلِكَ وَقْتُهَا» .
فَجَعَلَ الْوَقْتَ الَّذِي أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَى الْعَبْدِ فِيهِ هُوَ وَقْتَ الذِّكْرِ وَالِانْتِبَاهِ، وَحِينَئِذٍ فَمَنْ فَعَلَهَا فِي هَذَا الْوَقْتِ بِحَسَبِ مَا يُمْكِنُهُ مِنْ الطَّهَارَةِ الْوَاجِبَةِ فَقَدْ فَعَلَهَا فِي الْوَقْتِ، وَهَذَا لَيْسَ بِمُفَرِّطٍ وَلَا مُضَيِّعٍ لَهَا، قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ؛ إنَّمَا التَّفْرِيطُ فِي الْيَقِظَةِ» .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute