بِخِلَافِ الْمُتَنَبِّهِ مِنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ فَإِنَّهُ مَأْمُورٌ أَنْ يَفْعَلَهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، بِحَيْثُ لَوْ أَخَّرَهَا عَنْهُ عَمْدًا كَانَ مُضَيِّعًا مُفَرِّطًا، فَإِذَا اشْتَغَلَ عَنْهَا بِشَرْطِهَا وَكَانَ قَدْ أَخَّرَهَا عَنْ الْوَقْتِ الَّذِي أُمِرَ أَنْ يَفْعَلَهَا فِيهِ، وَلَوْلَا أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِفِعْلِهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَجَازَ تَأْخِيرُهَا عَنْ الْوَقْتِ، إذَا كَانَ مُشْتَغِلًا بِتَحْصِيلِ مَاءِ الطَّهَارَةِ، أَوْ ثَوْبِ الِاسْتِعَارَةِ، بِالذَّهَابِ إلَى مَكَانِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَهَذَا خِلَافُ إجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ. بَلْ الْمُسْتَيْقِظُ فِي آخِرِ الْوَقْتِ إنَّمَا عَلَيْهِ أَنْ يَتَوَضَّأَ كَمَا يَتَوَضَّأُ الْمُسْتَيْقِظُ فِي الْوَقْتِ، فَلَوْ أَخَّرَهَا لِأَنَّهُ يَجِدُ الْمَاءَ عِنْدَ الزَّوَالِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لَهُ ذَلِكَ.
وَأَيْضًا فَقَدْ نَصَّ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ إذَا جَاءَ وَقْتُ الصَّلَاةِ وَلَمْ يُصَلِّ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ، وَإِنْ قَالَ: أَنَا أُصَلِّيهَا قَضَاءً. كَمَا يُقْتَلُ إذَا قَالَ: أُصَلِّي بِغَيْرِ وُضُوءٍ، أَوْ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ، وَكُلُّ فَرْضٍ مِنْ فَرَائِضِ الصَّلَاةِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا إذَا تَرَكَهُ عَمْدًا فَإِنَّهُ يُقْتَلُ بِتَرْكِهِ. كَمَا أَنَّهُ يُقْتَلُ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ.
فَإِنْ قُلْنَا: يُقْتَلُ بِضِيقِ الثَّانِيَةِ وَالرَّابِعَةِ، فَالْأَمْرُ كَذَلِكَ، وَكَذَلِكَ إذَا قُلْنَا: يُقْتَلُ بِضِيقِ الْأُولَى، وَهُوَ الصَّحِيحُ، أَوْ الثَّالِثَةِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ: هَلْ يُقْتَلُ بِتَرْكِ صَلَاةٍ، أَوْ بِثَلَاثٍ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.
وَإِذَا قِيلَ بِتَرْكِ صَلَاةٍ، فَهَلْ يُشْتَرَطُ وَقْتُ الَّتِي بَعْدَهَا، أَوْ يَكْفِي ضِيقُ وَقْتِهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَفِيهَا وَجْهٌ ثَالِثٌ: وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ صَلَاتَيْ الْجَمْعِ وَغَيْرِهَا. وَلَا يُعَارِضُ مَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّهُ يَصِحُّ بَعْدَ الْوَقْتِ؛ بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْفَرَائِضِ: لِأَنَّ الْوَقْتَ إذَا فَاتَ لَمْ يُمْكِنْ اسْتِدْرَاكُهُ، فَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَفْعَلَهَا إلَّا فَائِتَةً، وَيَبْقَى إثْمُ التَّأْخِيرِ مِنْ بَابِ الْكَبَائِرِ الَّتِي تَمْحُوهَا التَّوْبَةُ وَنَحْوُهَا، وَأَمَّا بَقِيَّةُ الْفَرَائِضِ فَيُمْكِنُ اسْتِدْرَاكُهَا بِالْقَضَاءِ.
وَأَمَّا الْأُمَرَاءُ الَّذِينَ كَانُوا يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا، وَنَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ قِتَالِهِمْ، فَإِنْ قِيلَ: إنَّهُمْ كَانُوا يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ فَلَا كَلَامَ، وَإِنْ قِيلَ - وَهُوَ الصَّحِيحُ - إنَّهُمْ كَانُوا يُفَوِّتُونَهَا، فَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْأُمَّةَ بِالصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ. وَقَالَ: «اجْعَلُوا صَلَاتَكُمْ مَعَهُمْ نَافِلَةً» . وَنَهَى عَنْ قِتَالِهِمْ، كَمَا نَهَى عَنْ قِتَالِ الْأَئِمَّةِ إذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute