للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُعْرِضًا عَنْ اللَّهِ وَعَنْ ذِكْرِهِ، غَافِلًا عَنْ ذَلِكَ مَعَ تَكْذِيبٍ، أَوْ بِدُونِ تَكْذِيبٍ، أَوْ بِأَنْ يَكُونَ لَهُ ذِكْرٌ وَشُعُورٌ، وَلَكِنْ قَصْدُهُ وَإِرَادَتُهُ غَيْرُهُ، لِكَوْنِ الذِّكْرِ ضَعِيفًا لَمْ يَجْتَذِبْ الْقَلْبَ إلَى إرَادَةِ اللَّهِ وَمَحَبَّتِهِ وَعِبَادَتِهِ، وَإِلَّا فَمَتَى قَوِيَ عِلْمُ الْقَلْبِ وَذِكْرُهُ أَوْجَبَ قَصْدَهُ وَعِلْمَهُ، قَالَ - تَعَالَى -: {فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [النجم: ٢٩] {ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ} [النجم: ٣٠] . فَأَمَرَ نَبِيَّهُ بِأَنْ يُعْرِضَ عَمَّنْ كَانَ مُعْرِضًا عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مُرَادٌ إلَّا مَا يَكُونُ فِي الدُّنْيَا. وَهَذِهِ حَالُ مَنْ فَسَدَ قَلْبُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ رَبَّهُ وَلَمْ يَتُبْ إلَيْهِ فَيُرِيدُ وَجْهَهُ، وَيُخْلِصُ لَهُ الدِّينَ، ثُمَّ قَالَ وَذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنْ الْعِلْمِ، فَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُمْ عِلْمٌ فَوْقَ مَا يَكُونُ فِي الدُّنْيَا فَهِيَ أَكْبَرُ هَمِّهِمْ وَمَبْلَغُ عِلْمِهِمْ.

وَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَأَكْبَرُ هَمِّهِ هُوَ اللَّهُ، وَإِلَيْهِ انْتَهَى عِلْمُهُ وَذِكْرُهُ، وَهَذَا الْآنَ بَابٌ وَاسِعٌ عَظِيمٌ قَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَيْهِ فِي مَوَاضِعِهِ. وَإِذَا كَانَ التَّوْحِيدُ أَصْلَ صَلَاحِ النَّاسِ، وَالْإِشْرَاكُ أَصْلَ فَسَادِهِمْ، وَالْقِسْطُ مَقْرُونٌ بِالتَّوْحِيدِ، إذْ التَّوْحِيدُ أَصْلُ الْعَدْلِ، وَإِرَادَةُ الْعُلُوِّ مَقْرُونَةٌ بِالْفَسَادِ، إذْ هُوَ أَصْلُ الظُّلْمِ، فَهَذَا مَعَ هَذَا، وَهَذَا مَعَ هَذَا كَالْمَلْزُوزِينَ فِي قَرْنٍ، فَالتَّوْحِيدُ وَمَا يَتْبَعُهُ مِنْ الْحَسَنَاتِ هُوَ صَلَاحٌ وَعَدْلٌ، وَلِهَذَا كَانَ الرَّجُلُ الصَّالِحُ هُوَ الْقَائِمُ بِالْوَاجِبَاتِ وَهُوَ الْبَرُّ وَهُوَ الْعَدْلُ، وَالذُّنُوبُ الَّتِي فِيهَا تَفْرِيطٌ أَوْ عُدْوَانٌ فِي حُقُوقِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَحُقُوقِ عِبَادِهِ وَهِيَ فَسَادٌ وَظُلْمٌ، وَلَهَا سُمِّيَ قُطَّاعُ الطَّرِيقِ مُفْسِدِينَ، وَكَانَتْ عُقُوبَتُهُمْ حَقًّا لِلَّهِ - تَعَالَى - لِاجْتِمَاعِ الْوَصْفَيْنِ، وَاَلَّذِي يُرِيدُ الْعُلُوَّ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ أَبْنَاءِ جِنْسِهِ هُوَ ظَالِمٌ لَهُ بَاغٍ، إذْ لَيْسَ كَوْنُك عَالِيًا عَلَيْهِ بِأَوْلَى مِنْ كَوْنِهِ عَالِيًا عَلَيْك، وَكِلَاكُمَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، فَالْقِسْطُ وَالْعَدْلُ أَنْ يَكُونُوا إخْوَةً، كَمَا وَصَفَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ بِذَلِكَ، وَالتَّوْحِيدُ وَإِنْ كَانَ أَصْلَ الصَّلَاحِ فَهُوَ أَعْظَمُ الْعَدْلِ، وَلِهَذَا قَالَ - تَعَالَى -: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: ٦٤] .

<<  <  ج: ص:  >  >>