عَلَى قَوْلِ الِاسْتِحَالَةِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَقْوَالِ فَلَا يَكُونُ التُّرَابُ نَجَسًا، وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ أَنَّ «مَسْجِدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ حَائِطًا لِبَنِي النَّجَّارِ، وَكَانَ فِيهِ قُبُورُ الْمُشْرِكِينَ، وَخَرِبٌ، وَنَخْلٌ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْقُبُورِ فَنُبِشَتْ، وَبِالنَّخْلِ فَقُطِعَتْ، وَبِالْخَرِبِ فَسُوِّيَتْ، وَجُعِلَ قِبْلَةً لِلْمَسْجِدِ» فَهَذَا كَانَ مَقْبَرَةً لِلْمُشْرِكِينَ. ثُمَّ إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا أَمَرَ بِنَبْشِهِمْ لَمْ يَأْمُرْ بِنَقْلِ التُّرَابِ، الَّذِي لَاقَاهُمْ، وَغَيْرِهِ مِنْ تُرَابِ الْمَقْبَرَةِ، وَلَا أَمَرَ بِالِاحْتِرَازِ مِنْ الْعَذِرَةِ؛ وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ بَسْطِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، لَكِنْ الْغَرَضُ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ مَا عَلَيْهِ أَكْثَرُ أَهْلِ الْوَسْوَاسِ مِنْ تَوَقِّي الْأَرْضِ وَتَنْجِيسِهَا بَاطِلٌ بِالنَّصِّ. وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ فِيهِ نِزَاعٌ، وَبَعْضُهُ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ، أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ هَؤُلَاءِ يَفْتَرِشُ أَحَدُهُمْ السَّجَّادَةَ عَلَى مُصَلَّيَاتِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْحُصْرِ وَالْبُسُطِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، مِمَّا يُفْرَشُ فِي الْمَسَاجِدِ، فَيَزْدَادُونَ بِدْعَةً عَلَى بِدْعَتِهِمْ. وَهَذَا الْأَمْرُ لَمْ يَفْعَلْهُ أَحَدٌ مِنْ السَّلَفِ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا يَكُونُ شُبْهَةً لَهُمْ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ دَلِيلًا؛ بَلْ يُعَلِّلُونَ أَنَّ هَذِهِ الْحُصْرَ يَطَؤُهَا عَامَّةُ النَّاسِ، وَلَعَلَّ أَحَدُهُمْ أَنْ يَكُونَ قَدْ رَأَى أَوْ سَمِعَ أَنَّهُ بَعْضَ الْأَوْقَاتِ بَالَ صَبِيٌّ، أَوْ غَيْرُهُ عَلَى بَعْضِ حُصْرِ الْمَسْجِدِ، أَوْ رَأَى عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْ ذَرْقِ الْحَمَامِ، أَوْ غَيْرِهِ، فَيَصِيرُ ذَلِكَ حُجَّةً فِي الْوَسْوَاسِ.
وَقَدْ عُلِمَ بِالتَّوَاتُرِ أَنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ مَا زَالَ يَطَأُ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَهْدِ خُلَفَائِهِ، وَهُنَاكَ مِنْ الْحَمَامِ مَا لَيْسَ بِغَيْرِهِ، وَيَمُرُّ بِالْمَطَافِ مِنْ الْخَلْقِ مَا لَا يَمُرُّ بِمَسْجِدٍ مِنْ الْمَسَاجِدِ، فَتَكُونُ هَذِهِ الشُّبْهَةُ الَّتِي ذَكَرْتُمُوهَا أَقْوَى. ثُمَّ إنَّهُ لَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخُلَفَاؤُهُ وَأَصْحَابُهُ يُصَلِّي هُنَاكَ عَلَى حَائِلٍ، وَلَا يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ، فَلَوْ كَانَ هَذَا مُسْتَحَبًّا كَمَا زَعَمَهُ هَؤُلَاءِ لَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخُلَفَاؤُهُ وَأَصْحَابُهُ مُتَّفِقِينَ عَلَى تَرْكِ الْمُسْتَحَبِّ، الْأَفْضَلِ. وَيَكُونُ هَؤُلَاءِ أَطْوَعَ لِلَّهِ وَأَحْسَنَ عَمَلًا مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخُلَفَائِهِ وَأَصْحَابِهِ، فَإِنَّ هَذَا خِلَافُ مَا ثَبَتَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ.
وَأَيْضًا فَقَدْ كَانُوا يَطَئُونَ مَسْجِدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنِعَالِهِمْ وَخِفَافِهِمْ، وَيُصَلُّونَ فِيهِ مَعَ قِيَامِ هَذَا الِاحْتِمَالِ، وَلَمْ يُسْتَحَبَّ لَهُمْ هَذَا الِاحْتِرَازُ الَّذِي ابْتَدَعَهُ هَؤُلَاءِ، فَعُلِمَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute