خَطَؤُهُمْ فِي ذَلِكَ. وَقَدْ يُفَرِّقُونَ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يَقُولُوا: الْأَرْضُ تَطْهُرُ بِالشَّمْسِ وَالرِّيحِ وَالِاسْتِحَالَةِ. دُونَ الْحَصِيرِ. فَيُقَالُ: هَذَا إذَا كَانَ حَقًّا فَإِنَّمَا هُوَ مِنْ النَّجَاسَةِ الْمُخَفَّفَةِ.
وَذَلِكَ يَظْهَرُ بِالْوَجْهِ الثَّالِثِ، وَهُوَ: أَنَّ النَّجَاسَةَ لَا يُسْتَحَبُّ الْبَحْثُ عَمَّا لَمْ يَظْهَرْ مِنْهَا، وَلَا الِاحْتِرَازُ عَمَّا لَيْسَ عَلَيْهِ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ، لِاحْتِمَالِ وُجُودِهِ، فَإِنْ كَانَ قَدْ قَالَ طَائِفَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ: إنَّهُ يُسْتَحَبُّ الِاحْتِرَازُ عَنْ الشُّكُوكِ فِيهِ مُطْلَقًا، فَهُوَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ. وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " أَنَّهُ مَرَّ هُوَ وَصَاحِبٌ لَهُ بِمَكَانٍ، فَسَقَطَ عَلَى صَاحِبِهِ مَاءٌ مِنْ مِيزَابٍ، فَنَادَى صَاحِبَهُ: يَا صَاحِبَ الْمِيزَابِ، أَمَاؤُك طَاهِرٌ أَمْ نَجَسٌ؟ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا صَاحِبَ الْمِيزَابِ، لَا تُخْبِرْهُ، فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ عَلَيْهِ " فَنَهَى عُمَرُ عَنْ إخْبَارِهِ؛ لِأَنَّهُ تَكَلَّفَ مِنْ السُّؤَالِ مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ. وَهَذَا قَدْ يَنْبَنِي عَلَى أَصْلٍ، وَهُوَ: أَنَّ النَّجَاسَةَ إنَّمَا يَثْبُتُ حُكْمُهَا مَعَ الْعِلْمِ، فَلَوْ صَلَّى وَبِبَدَنِهِ أَوْ ثِيَابِهِ نَجَاسَةٌ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهَا إلَّا بَعْدَ الصَّلَاةِ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ فِي أَصَحِّ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ، وَأَحْمَدَ فِي أَقْوَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَسَوَاءٌ كَانَ عَلِمَهَا ثُمَّ نَسِيَهَا؛ أَوْ جَهِلَهَا ابْتِدَاءً، لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى فِي نَعْلَيْهِ ثُمَّ خَلَعَهُمَا فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ، لَمَّا أَخْبَرَهُ جِبْرِيلُ أَنَّ بِهِمَا أَذًى، وَمَضَى فِي صَلَاتِهِ، وَلَمْ يَسْتَأْنِفْهَا، مَعَ كَوْنِ ذَلِكَ مَوْجُودًا فِي أَوَّلِ الصَّلَاةِ، لَكِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ، فَتَكَلُّفُهُ لِلْخَلْعِ فِي أَثْنَائِهَا، مَعَ أَنَّهُ لَوْلَا الْحَاجَةُ لَكَانَ عَبَثًا أَوْ مَكْرُوهًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ مِنْ اجْتِنَابِ النَّجَاسَةِ مَعَ الْعِلْمِ؛ وَمَظِنَّةٌ تَدُلُّ عَلَى الْعَفْوِ عَنْهَا فِي حَالِ عَدَمِ الْعِلْمِ بِهَا.
وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد أَيْضًا عَنْ «أُمِّ جَحْدَرٍ الْعَامِرِيَّةِ أَنَّهَا سَأَلَتْ عَائِشَةَ عَنْ دَمِ الْحَيْضِ يُصِيبُ الثَّوْبَ، فَقَالَتْ: كُنْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَيْنَا شِعَارُنَا؛ وَقَدْ أَلْقَيْنَا فَوْقَهُ كِسَاءً، فَلَمَّا أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ أَخَذَ الْكِسَاءَ فَلَبِسَهُ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الْغَدَاةَ ثُمَّ جَلَسَ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذِهِ لُمْعَةٌ مِنْ دَمٍ، فَقَبَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا يَلِيهَا، فَبَعَثَ بِهَا إلَيَّ مَصْرُورَةً فِي يَدِ غُلَامٍ، فَقَالَ: اغْسِلِي هَذَا، وَأَجِفِّيهَا، وَأَرْسِلِي بِهَا إلَيَّ، فَدَعَوْت بِقَصْعَتِي فَغَسَلْتهَا، ثُمَّ أَجَفَفْتهَا فَأَعَدْتهَا إلَيْهِ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نِصْفَ النَّهَارِ وَهِيَ عَلَيْهِ» .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute