للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنَّ هَذَا لَوْ كَانَ وَاقِعًا لَنَقَلَهُ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ، وَلَمَا أَهْمَلُوا قُنُوتَهُ الرَّاتِبَ الْمَشْرُوعَ لَنَا، مَعَ أَنَّهُمْ نَقَلُوا قُنُوتَهُ الَّذِي لَا يُشْرَعُ بِعَيْنِهِ، وَإِنَّمَا يُشْرَعُ نَظِيرُهُ؛ فَإِنَّ دُعَاءَهُ لِأُولَئِكَ الْمُعَيَّنِينَ، وَعَلَى أُولَئِكَ الْمُعَيَّنِينَ لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ؛ بَلْ إنَّمَا يُشْرَعُ نَظِيرُهُ. فَيُشْرَعُ أَنْ يُقْنَتَ عِنْدَ النَّوَازِلِ يَدْعُو لِلْمُؤْمِنِينَ، وَيَدْعُو عَلَى الْكُفَّارِ فِي الْفَجْرِ، وَفِي غَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ، وَهَكَذَا كَانَ عُمَرُ يَقْنُتُ لَمَّا حَارَبَ النَّصَارَى بِدُعَائِهِ الَّذِي فِيهِ: " اللَّهُمَّ الْعَنْ كَفَرَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ " إلَى آخِرِهِ.

وَكَذَلِكَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا حَارَبَ قَوْمًا قَنَتَ يَدْعُو عَلَيْهِمْ وَيَنْبَغِي لِلْقَانِتِ أَنْ يَدْعُوَ عِنْدَ كُلِّ نَازِلَةٍ بِالدُّعَاءِ الْمُنَاسِبِ لِتِلْكَ النَّازِلَةِ، وَإِذَا سَمَّى مَنْ يَدْعُو لَهُمْ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ، وَمَنْ يَدْعُو عَلَيْهِمْ مِنْ الْكَافِرِينَ الْمُحَارِبِينَ كَانَ ذَلِكَ حَسَنًا.

وَأَمَّا قُنُوتُ الْوِتْرِ فَلِلْعُلَمَاءِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: قِيلَ: لَا يُسْتَحَبُّ بِحَالٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَنَتَ فِي الْوِتْرِ. وَقِيلَ: بَلْ يُسْتَحَبُّ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ، كَمَا يُنْقَلُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ؛ وَلِأَنَّ فِي السُّنَنِ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَّمَ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - دُعَاءً يَدْعُو بِهِ فِي قُنُوتِ الْوِتْرِ» ، وَقِيلَ: بَلْ يَقْنُتُ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ. كَمَا كَانَ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ يَفْعَلُ.

وَحَقِيقَةُ الْأَمْرِ أَنَّ قُنُوتَ الْوِتْرِ مِنْ جِنْسِ الدُّعَاءِ السَّائِغِ فِي الصَّلَاةِ، مَنْ شَاءَ فَعَلَهُ، وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ. كَمَا يُخَيَّرُ الرَّجُلُ أَنْ يُوتِرَ بِثَلَاثٍ، أَوْ خَمْسٍ، أَوْ سَبْعٍ، وَكَمَا يُخَيَّرُ إذَا أَوْتَرَ بِثَلَاثٍ إنْ شَاءَ فَصَلَ، وَإِنْ شَاءَ وَصَلَ.

وَكَذَلِكَ يُخَيَّرُ فِي دُعَاءِ الْقُنُوتِ إنْ شَاءَ فَعَلَهُ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ، وَإِذَا صَلَّى بِهِمْ قِيَامَ رَمَضَانَ فَإِنْ قَنَتَ فِي جَمِيعِ الشَّهْرِ فَقَدْ أَحْسَنَ، وَإِنْ قَنَتَ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ فَقَدْ أَحْسَنَ، وَإِنْ لَمْ يَقْنُتْ بِحَالٍ فَقَدْ أَحْسَنَ.

كَمَا أَنَّ نَفْسَ قِيَامِ رَمَضَانَ لَمْ يُوَقِّتْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ عَدَدًا مُعَيَّنًا؛ بَلْ كَانَ هُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلَا غَيْرِهِ عَلَى ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، لَكِنْ كَانَ يُطِيلُ الرَّكَعَاتِ، فَلَمَّا جَمَعَهُمْ عُمَرُ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ كَانَ يُصَلِّي بِهِمْ عِشْرِينَ رَكْعَةً، ثُمَّ يُوتِرُ بِثَلَاثٍ، وَكَانَ يُخِفُّ الْقِرَاءَةَ بِقَدْرِ مَا زَادَ مِنْ الرَّكَعَاتِ، لِأَنَّ ذَلِكَ أَخَفُّ عَلَى الْمَأْمُومِينَ مِنْ تَطْوِيلِ الرَّكْعَةِ الْوَاحِدَةِ، ثُمَّ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ يَقُومُونَ بِأَرْبَعِينَ رَكْعَةً، وَيُوتِرُونَ بِثَلَاثٍ،

<<  <  ج: ص:  >  >>