فَسَمَّاهُ قَانِتًا فِي حَالِ سُجُودِهِ، كَمَا سَمَّاهُ قَانِتًا فِي حَالِ قِيَامِهِ.
وَأَمَّا الْبَسْمَلَةُ: فَلَا رَيْبَ أَنَّهُ كَانَ فِي الصَّحَابَةِ مَنْ يَجْهَرُ بِهَا، وَفِيهِمْ مَنْ كَانَ لَا يَجْهَرُ بِهَا، بَلْ يَقْرَؤُهَا سِرًّا، أَوْ لَا يَقْرَؤُهَا وَاَلَّذِينَ كَانُوا يَجْهَرُونَ بِهَا أَكْثَرُهُمْ كَانَ يَجْهَرُ بِهَا تَارَةً، وَيُخَافِتُ بِهَا أُخْرَى وَهَذَا لِأَنَّ الذِّكْرَ قَدْ تَكُونُ السُّنَّةُ الْمُخَافَتَةَ بِهِ، وَيَجْهَرُ بِهِ لِمَصْلَحَةٍ رَاجِحَةٍ مِثْلَ تَعْلِيمِ الْمَأْمُومِينَ، فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ «ابْنَ عَبَّاسٍ قَدْ جَهَرَ بِالْفَاتِحَةِ عَلَى الْجِنَازَةِ، لِيُعَلِّمَهُمْ أَنَّهَا سُنَّةٌ» .
وَتَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِي الْقِرَاءَةِ عَلَى الْجِنَازَةِ عَلَى ثَلَاثِهِ أَقْوَالٍ: قِيلَ: لَا تُسْتَحَبُّ بِحَالٍ، كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ.
وَقِيلَ: بَلْ يَجِبُ فِيهَا الْقِرَاءَةُ بِالْفَاتِحَةِ. كَمَا يَقُولُهُ مَنْ يَقُولُهُ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ.
وَقِيلَ: بَلْ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ فِيهَا سُنَّةٌ، وَإِنْ لَمْ يَقْرَأْ بَلْ دَعَا بِلَا قِرَاءَةٍ جَازَ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ.
وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَقُولُ: " اللَّهُ أَكْبَرُ، سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، وَتَبَارَكَ اسْمُك، وَتَعَالَى جَدُّك، وَلَا إلَهَ غَيْرُك " يَجْهَرُ بِذَلِكَ مَرَّاتٍ كَثِيرَةً.
وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْجَهْرَ بِذَلِكَ لَيْسَ بِسُنَّةٍ رَاتِبَةٍ: لَكِنْ جَهَرَ بِهِ لِلتَّعْلِيمِ، وَلِذَلِكَ نُقِلَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ كَانَ يَجْهَرُ أَحْيَانًا بِالتَّعَوُّذِ، فَإِذَا كَانَ مِنْ الصَّحَابَةِ مَنْ جَهَرَ بِالِاسْتِفْتَاحِ وَالِاسْتِعَاذَةِ مَعَ إقْرَارِ الصَّحَابَةِ لَهُ عَلَى ذَلِكَ، فَالْجَهْرُ بِالْبَسْمَلَةِ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ. وَأَنْ يُشْرَعَ الْجَهْرُ بِهَا أَحْيَانًا لِمَصْلَحَةٍ رَاجِحَةٍ.
لَكِنْ لَا نِزَاعَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَجْهَرْ بِالِاسْتِفْتَاحِ. وَلَا بِالِاسْتِعَاذَةِ؛ بَلْ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ «أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْت سُكُوتَك بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ مَاذَا تَقُولُ؟ قَالَ: أَقُولُ: اللَّهُمَّ بَعِّدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ، كَمَا بَعَّدْت بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنْ خَطَايَايَ كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute