للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصَّحْرَاءِ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ، وَكَانُوا يَسْتَسْقُونَ بِالدُّعَاءِ بِلَا صَلَاةٍ، كَمَا فَعَلَ ذَلِكَ خُلَفَاؤُهُ، فَكُلُّ ذَلِكَ حَسَنٌ جَائِزٌ.

وَمِنْ هَذَا الْبَابِ الصَّوْمُ وَالْفِطْرُ لِلْمُسَافِرِ فِي رَمَضَانَ: فَإِنَّ الْأَئِمَّةَ الْأَرْبَعَةَ اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ الْأَمْرَيْنِ، وَذَهَبَ طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا الْفِطْرُ، وَأَنَّهُ لَوْ صَامَ لَمْ يُجْزِئْهُ. وَزَعَمُوا أَنَّ الْإِذْنَ لَهُمْ فِي الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ: «لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ» وَالصَّحِيحُ مَا عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ. وَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا يُنَافِي إذْنَهُ لَهُمْ فِي الصِّيَامِ فِي السَّفَرِ، فَإِنَّهُ نَفَى أَنْ يَكُونَ مِنْ الْبِرِّ، وَلَمْ يَنْفِ أَنْ يَكُونَ جَائِزًا مُبَاحًا، وَالْفَرْضُ يَسْقُطُ بِفِعْلِ النَّوْعِ الْجَائِزِ الْمُبَاحِ، إذَا أَتَى بِالْمَأْمُورِ بِهِ.

وَالْمُرَادُ بِهِ كَوْنُهُ فِي السَّفَرِ لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ، كَمَا لَوْ صَامَ وَعَطَّشَ نَفْسَهُ بِأَكْلِ الْمَالِحِ، أَوْ صَامَ وَأَضْحَى لِلشَّمْسِ، فَإِنَّهُ يُقَالُ: لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي الشَّمْسِ، وَلِهَذَا قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: مَعْنَاهُ لَيْسَ مَنْ صَامَ بِأَبَرَّ مِمَّنْ لَمْ يَصُمْ.

فَفِي هَذَا مَا دَلَّ عَلَى أَنَّ الْفِطْرَ أَفْضَلُ، فَإِنَّهُ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ صَامَ أَوَّلًا فِي السَّفَرِ؛ ثُمَّ أَفْطَرَ فِيهِ. وَمَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنَّ الصَّوْمَ فِي السَّفَرِ نَقْصٌ فِي الدِّينِ، فَهَذَا مُبْتَدِعٌ ضَالٌّ وَإِذَا صَامَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مُعْتَقِدًا وُجُوبَ الصَّوْمِ عَلَيْهِ، وَتَحْرِيمَ الْفِطْرِ، فَقَدْ أَمَرَ طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ بِالْإِعَادَةِ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ حَمْزَةَ بْنَ عَمْرٍو سَأَلَهُ؛ فَقَالَ: إنَّنِي رَجُلٌ أُكْثِرُ الصَّوْمَ، أَفَأَصُومُ فِي السَّفَرِ؟ فَقَالَ: إنْ أَفْطَرْت فَحَسَنٌ، وَإِنْ صُمْت فَلَا بَأْسَ» فَإِذَا فَعَلَ الرَّجُلُ فِي السَّفَرِ أَيْسَرَ الْأَمْرَيْنِ عَلَيْهِ مِنْ تَعْجِيلِ الصَّوْمِ أَوْ تَأْخِيرِهِ، فَقَدْ أَحْسَنَ فَإِنَّ اللَّهَ يُرِيدُ بِنَا الْيُسْرَ، وَلَا يُرِيدُ بِنَا الْعُسْرَ. أَمَّا إذَا كَانَ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ أَشَقَّ عَلَيْهِ مِنْ تَأْخِيرِهِ، فَالتَّأْخِيرُ أَفْضَلُ، فَإِنَّ فِي الْمُسْنَدِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يُؤْخَذَ بِرُخَصِهِ، كَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَى مَعْصِيَتُهُ» وَأَخْرَجَهُ بَعْضُهُمْ إمَّا ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَإِمَّا غَيْرُهُ فِي صَحِيحِهِ وَهَذِهِ الصِّحَاحُ مَرْتَبَتُهَا دُونَ مَرْتَبَةِ صَحِيحَيْ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>