وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا} [المؤمنون: ٥١] .
وَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: ١٧٢] ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِّيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ» وَكُلُّ حَلَالٍ طَيِّبٌ، وَكُلُّ طَيِّبٍ حَلَالٌ، فَإِنَّ اللَّهَ أَحَلَّ لَنَا الطَّيِّبَاتِ، وَحَرَّمَ عَلَيْنَا الْخَبَائِثَ، لَكِنْ جِهَةُ طَيِّبِهِ كَوْنُهُ نَافِعًا لَذِيذًا.
وَاَللَّهُ حَرَّمَ عَلَيْنَا كُلَّ مَا يَضُرُّنَا، وَأَبَاحَ لَنَا كُلَّ مَا يَنْفَعُنَا بِخِلَافِ أَهْلِ الْكِتَابِ فَإِنَّهُ بِظُلْمٍ مِنْهُمْ: حَرَّمَ عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ، فَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ عُقُوبَةً لَهُمْ، وَمُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُحَرِّمْ عَلَيْنَا شَيْئًا مِنْ الطَّيِّبَاتِ، وَالنَّاسُ تَتَنَوَّعُ أَحْوَالُهُمْ فِي الطَّعَامِ وَاللِّبَاسِ وَالْجُوعِ وَالشِّبَعِ، وَالشَّخْصُ الْوَاحِدُ يَتَنَوَّعُ حَالُهُ، وَلَكِنْ خَيْرُ الْأَعْمَالِ مَا كَانَ لِلَّهِ أَطْوَعَ، وَلِصَاحِبِهِ أَنْفَعَ، وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ أَيْسَرَ الْعَمَلَيْنِ، وَقَدْ يَكُونُ أَشَدَّهُمَا، فَلَيْسَ كُلُّ شَدِيدٍ فَاضِلًا، وَلَا كُلُّ يَسِيرٍ مَفْضُولًا. بَلْ الشَّرْعُ إذَا أَمَرَنَا بِأَمْرٍ شَدِيدٍ، فَإِنَّمَا يَأْمُرُ بِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَنْفَعَةِ، لَا لِمُجَرَّدِ تَعْذِيبِ النَّفْسِ. كَالْجِهَادِ الَّذِي قَالَ فِيهِ تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ} [البقرة: ٢١٦] .
وَالْحَجُّ هُوَ الْجِهَادُ الصَّغِيرُ؛ وَلِهَذَا «قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي الْعُمْرَةِ: أَجْرُك عَلَى قَدْرِ نَصَبِك» . وَقَالَ تَعَالَى فِي الْجِهَادِ: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلا إِلا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [التوبة: ١٢٠]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute