للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَأَبَاحَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةَ دَعِيِّهِ لِيَرْفَعَ الْحَرَجَ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ، فَعُلِمَ أَنَّ مَا فَعَلَهُ كَانَ لَنَا مُبَاحًا أَنْ نَفْعَلَهُ.

وَلَمَّا خَصَّهُ بِبَعْضِ الْأَحْكَامِ قَالَ: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب: ٥٠] . فَلَمَّا أَحَلَّ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ الْمَوْهُوبَةَ بَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ خَالِصٌ لَهُ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ، فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَنْكِحَ امْرَأَةً بِلَا مَهْرٍ غَيْرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيُقَبِّلُ الصَّائِمُ؟ فَقَالَ لَهُ: سَلْ هَذِهِ - لِأُمِّ سَلَمَةَ - فَأَخْبَرَتْهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُ ذَلِكَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَك مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِك وَمَا تَأَخَّرَ، فَقَالَ لَهُ: أَمَا وَاَللَّهِ إنَّنِي لَأَتْقَاكُمْ لِلَّهِ، وَأَخْشَاكُمْ لَهُ» .

فَلَمَّا أَجَابَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِفِعْلِهِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ يُبَاحُ لِلْأُمَّةِ مَا أُبِيحَ لَهُ؛ وَلِهَذَا كَانَ جُمْهُورُ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ إذَا أَمَرَهُ بِأَمْرٍ، أَوْ نَهَاهُ عَنْ شَيْءٍ، كَانَتْ أُمَّتُهُ أُسْوَةً لَهُ فِي ذَلِكَ، مَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى اخْتِصَاصِهِ بِذَلِكَ.

فَمِنْ خَصَائِصِهِ: مَا كَانَ مِنْ خَصَائِصِ نُبُوَّتِهِ وَرِسَالَتِهِ، فَهَذَا لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِ فِيهِ، فَإِنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ، وَهَذَا مِثْلُ كَوْنِهِ يُطَاعُ فِي كُلِّ مَا يَأْمُرُ بِهِ، وَيَنْهَى عَنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ جِهَةَ أَمْرِهِ، حَتَّى يُقْتَلَ كُلُّ مَنْ أَمَرَ بِقَتْلِهِ، وَلَيْسَ هَذَا لِأَحَدٍ بَعْدَهُ، فَوُلَاةُ الْأُمُورِ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَالْأُمَرَاءِ يُطَاعُونَ إذَا لَمْ يَأْمُرُوا بِخِلَافِ أَمْرِهِ؛ وَلِهَذَا جَعَلَ اللَّهُ طَاعَتَهُمْ فِي ضِمْنِ طَاعَتِهِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: ٥٩] .

فَقَالَ: {وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ} [النساء: ٥٩] لِأَنَّ أُولِي الْأَمْرِ يُطَاعُونَ طَاعَةً تَابِعَةً لِطَاعَتِهِ، فَلَا يُطَاعُونَ اسْتِقْلَالًا، وَلَا طَاعَةً مُطْلَقَةً، وَأَمَّا الرَّسُولُ فَيُطَاعُ طَاعَةً مُطْلَقَةً مُسْتَقِلَّةً، فَإِنَّهُ:

<<  <  ج: ص:  >  >>