بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر: ١] » ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ أَنَّهَا مِنْ السُّورَةِ، بَلْ فِيهِ أَنَّهَا تُقْرَأُ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ، وَهَذَا سُنَّةٌ، فَإِنَّهَا تُقْرَأُ فِي أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ السُّورَةِ. وَمِثْلُهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَعْرِفُ فَصْلَ السُّورَةِ حَتَّى تَنْزِلَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، فَفِيهِ أَنَّهَا نَزَلَتْ لِلْفَصْلِ، وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهَا آيَةٌ مِنْهَا، وَ {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} [الملك: ١] ثَلَاثُونَ آيَةً بِدُونِ الْبَسْمَلَةِ؛ وَلِأَنَّ الْعَادِّينَ لِآيَاتِ الْقُرْآنِ لَمْ يَعُدَّ أَحَدٌ مِنْهُمْ الْبَسْمَلَةَ مِنْ السُّورَةِ، لَكِنْ هَؤُلَاءِ تَنَازَعُوا فِي الْفَاتِحَةِ: هَلْ هِيَ آيَةٌ مِنْهَا دُونَ غَيْرِهَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ، هُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ أَحَدُهُمَا: إنَّهَا مِنْ الْفَاتِحَةِ دُونَ غَيْرِهَا، وَهَذَا مَذْهَبُ طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ، أَظُنُّهُ قَوْلَ أَبِي عُبَيْدٍ، وَاحْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِالْآثَارِ الَّتِي رُوِيَتْ فِي أَنَّ الْبَسْمَلَةَ مِنْ الْفَاتِحَةِ، وَعَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ تَجِبُ قِرَاءَتُهَا فِي الصَّلَاةِ، وَهَؤُلَاءِ يُوجِبُونَ قِرَاءَتَهَا وَإِنْ لَمْ يَجْهَرُوا بِهَا.
وَالثَّانِي: إنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْفَاتِحَةِ، كَمَا أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ غَيْرِهَا، وَهَذَا أَظْهَرُ. فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، نِصْفُهَا لِي وَنِصْفُهَا لَهُ، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ. يَقُولُ الْعَبْدُ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: ٢] يَقُولُ اللَّهُ: حَمِدَنِي عَبْدِي. يَقُولُ الْعَبْدُ: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: ٣] يَقُولُ اللَّهُ: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي. يَقُولُ الْعَبْدُ: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: ٤] يَقُولُ اللَّهُ: مَجَّدَنِي عَبْدِي. يَقُولُ الْعَبْدُ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: ٥] . يَقُولُ اللَّهُ: فَهَذِهِ الْآيَةُ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ. يَقُولُ الْعَبْدُ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة: ٦] إلَى آخِرِهَا. يَقُولُ اللَّهُ: فَهَؤُلَاءِ لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ» . فَلَوْ كَانَتْ مِنْ الْفَاتِحَةِ لَذَكَرَهَا كَمَا ذَكَرَ غَيْرَهَا.
وَقَدْ رُوِيَ ذِكْرُهَا فِي حَدِيثٍ مَوْضُوعٍ، رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادِ بْنِ سَمْعَانَ فَذِكْرُهُ مِثْلُ الثَّعْلَبِيِّ فِي تَفْسِيرِهِ، وَمِثْلُ مَنْ جَمَعَ أَحَادِيثَ الْجَهْرِ، وَأَنَّهَا كُلَّهَا ضَعِيفَةٌ، أَوْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute