مَوْضُوعَةٌ. وَلَوْ كَانَتْ مِنْهَا لَمَا كَانَ لِلرَّبِّ ثَلَاثُ آيَاتٍ وَنِصْفٌ، وَلِلْعَبْدِ ثَلَاثٌ وَنِصْفٌ.
وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ الْقِسْمَةَ وَقَعَتْ عَلَى الْآيَاتِ، فَإِنَّهُ قَالَ: «فَهَؤُلَاءِ لِعَبْدِي» . وَهَؤُلَاءِ إشَارَةٌ إلَى جَمْعٍ، فَعُلِمَ أَنَّ مِنْ قَوْلِهِ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة: ٦] إلَى آخِرِهَا ثَلَاثُ آيَاتٍ عَلَى قَوْلِ مَنْ لَا يَعُدُّ الْبَسْمَلَةَ آيَةً مِنْهَا، وَمَنْ عَدَّهَا آيَةً مِنْهَا جَعَلَ هَذَا آيَتَيْنِ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ الْفَاتِحَةَ سُورَةٌ مِنْ سُوَرِ الْقُرْآنِ، وَالْبَسْمَلَةُ مَكْتُوبَةٌ فِي أَوَّلِهَا، فَلَا فَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ غَيْرِهَا مِنْ السُّوَرِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ، وَهَذَا مِنْ أَظْهَرِ وُجُوهِ الِاعْتِبَارِ.
وَأَيْضًا فَلَوْ كَانَتْ مِنْهَا لَتُلِيَتْ فِي الصَّلَاةِ جَهْرًا، كَمَا تُتْلَى آيَاتُ السُّورَةِ، وَهَذَا مَذْهَبُ مَنْ يَرَى الْجَهْرَ بِهَا كَالشَّافِعِيِّ وَطَائِفَةٍ مِنْ الْمَكِّيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ؛ فَإِنَّهُمْ قَالُوا: إنَّهَا آيَةٌ مِنْ الْفَاتِحَةِ يُجْهَرُ بِهَا: كَسَائِرِ آيَاتِ الْفَاتِحَةِ، وَاعْتَمَدَ عَلَى آثَارٍ مَنْقُولَةٍ بَعْضُهَا عَنْ الصَّحَابَةِ، وَبَعْضُهَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَأَمَّا الْمَأْثُورُ عَنْ الصَّحَابَةِ: كَابْنِ الزُّبَيْرِ وَنَحْوِهِ، فَفِيهِ صَحِيحٌ، وَفِيهِ ضَعِيفٌ. وَأَمَّا الْمَأْثُورُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ ضَعِيفٌ، أَوْ مَوْضُوعٌ، كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ حُفَّاظُ الْحَدِيثِ كَالدَّارَقُطْنِيِّ، وَغَيْرِهِ.
وَلِهَذَا لَمْ يَرْوِ أَهْلُ السُّنَنِ وَالْمَسَانِيدِ الْمَعْرُوفَةِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْجَهْرِ بِهَا حَدِيثًا وَاحِدًا؛ وَإِنَّمَا يَرْوِي أَمْثَالَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مَنْ لَا يُمَيِّزُ مِنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ: كَالثَّعْلَبِيِّ وَنَحْوِهِ، وَكَبَعْضِ مَنْ صَنَّفَ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ، كَمَا يَذْكُرُهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ، وَقَدْ حُكِيَ الْقَوْلُ بِالْجَهْرِ عَنْ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ بِنَاءً عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ مِنْ أَنَّهَا مِنْ الْفَاتِحَةِ، فَيُجْهَرُ بِهَا كَمَا يُجْهَرُ بِسَائِرِ الْفَاتِحَةِ، وَلَيْسَ هَذَا مَذْهَبَهُ، بَلْ يُخَافَتُ بِهَا عِنْدَهُ.
وَإِنْ قَالَ: هِيَ مِنْ الْفَاتِحَةِ لَكِنْ يُجْهَرُ بِهَا عِنْدَهُ لِمَصْلَحَةٍ رَاجِحَةٍ. مِثْلَ أَنْ يَكُونَ الْمُصَلُّونَ لَا يَقْرَءُونَهَا بِحَالٍ، فَيَجْهَرُ بِهَا لِيُعَلِّمَهُمْ أَنَّ قِرَاءَتَهَا سُنَّةٌ، كَمَا جَهَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِالْفَاتِحَةِ عَلَى الْجِنَازَةِ، وَكَمَا جَهَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِالِاسْتِفْتَاحِ، وَكَمَا نُقِلَ عَنْ «أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَرَأَ بِهَا، ثُمَّ قَرَأَ بِأُمِّ الْكِتَابِ، وَقَالَ: أَنَا أَشْبَهُكُمْ صَلَاةً بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَهُوَ أَجْوَدُ مَا احْتَجُّوا بِهِ.
وَكَذَلِكَ فَسَّرَ بَعْضُ أَصْحَابِ أَحْمَدَ خِلَافَهُ، أَنَّهُ كَانَ يَجْهَرُ بِهَا إذَا كَانَ الْمَأْمُومُونَ يُنْكِرُونَ عَلَى مَنْ لَمْ يَجْهَرْ بِهَا، وَأَمْثَالِ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْجَهْرَ بِهَا وَالْمُخَافَتَةَ سُنَّةٌ، فَلَوْ جَهَرَ بِهَا الْمُخَافِتُ صَحَّتْ صَلَاتُهُ بِلَا رَيْبٍ، وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ كَأَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute