للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقَوْلُ مَنْ قَالَ: إذَا فَرَغْت مِنْ الصَّلَاةِ فَانْصَبْ فِي الدُّعَاءِ، يُشْبِهُ قَوْلَ مَنْ قَالَ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ لَمَّا ذَكَرَ التَّشَهُّدَ، فَإِذَا فَعَلْت ذَلِكَ فَقَدْ قَضَيْت صَلَاتَك، فَإِنْ شِئْت أَنْ تَقُومَ فَقُمْ، وَإِنْ شِئْت أَنْ تَقْعُدَ فَاقْعُدْ. وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَوْ مِنْ كَلَامِ مَنْ أَدْرَجَهَا فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ مَنْ ذَكَرَهُ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ. فَفِيهَا أَنَّ قَائِلَ ذَلِكَ جَعَلَ ذَلِكَ قَضَاءً لِلصَّلَاةِ، فَهَكَذَا جَعَلَهُ هَذَا الْمُفَسِّرُ فَرَاغًا مِنْ الصَّلَاةِ، مَعَ أَنَّ تَفْسِيرَ قَوْلِهِ: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ} [الشرح: ٧] أَيْ فَرَغْت مِنْ الصَّلَاةِ قَوْلٌ ضَعِيفٌ، فَإِنَّ قَوْلَهُ: إذَا فَرَغْت مُطْلَقٌ وَلِأَنَّ الْفَارِغَ إنْ أُرِيدَ بِهِ الْفَارِغُ مِنْ الْعِبَادَةِ، فَالدُّعَاءُ أَيْضًا عِبَادَةٌ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْفَرَاغُ مِنْ أَشْغَالِ الدُّنْيَا بِالصَّلَاةِ، فَلَيْسَ كَذَلِكَ.

يُوَضِّحُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا نِزَاعَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ الصَّلَاةَ يُدْعَى فِيهَا، كَمَا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدْعُو فِيهَا، فَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي دُعَاءِ الِاسْتِفْتَاحِ «اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْت بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنْ خَطَايَايَ كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنْ الدَّنَسِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ» . وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ أَنْتَ الْمَلِكُ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ. أَنْتَ رَبِّي وَأَنَا عَبْدُك، ظَلَمْت نَفْسِي، وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي. فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي جَمِيعًا، فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ، وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ، فَإِنَّهُ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا فَإِنَّهُ لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إلَّا أَنْتَ» .

وَثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، وَثَبَتَ عَنْهُ الدُّعَاءُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، سَوَاءٌ كَانَ فِي النَّفْلِ أَوْ فِي الْفَرْضِ وَتَوَاتَرَ عَنْهُ الدُّعَاءُ آخِرَ الصَّلَاةِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتِي فَقَالَ: قُلْ: اللَّهُمَّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِك، وَارْحَمْنِي إنَّك أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» فَإِذَا كَانَ الدُّعَاءُ مَشْرُوعًا فِي الصَّلَاةِ لَا سِيَّمَا فِي آخِرِهَا، فَكَيْفَ يَقُولُ: إذَا فَرَغْت مِنْ الصَّلَاةِ فَانْصَبْ فِي الدُّعَاءِ، وَاَلَّذِي فَرَغَ مِنْهُ هُوَ نَظِيرُ الَّذِي أَمَرَ بِهِ، فَهُوَ فِي الصَّلَاةِ كَانَ نَاصِبًا فِي الدُّعَاءِ، لَا فَارِغًا. ثُمَّ إنَّهُ لَمْ يَقُلْ مُسْلِمٌ إنَّ الدُّعَاءَ بَعْدَ

<<  <  ج: ص:  >  >>