للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ يَكُونُ أَوْكَدَ وَأَقْوَى مِنْهُ فِي الصَّلَاةِ، ثُمَّ لَوْ كَانَ قَوْلُهُ: فَانْصَبْ فِي الدُّعَاءِ، لَمْ يَحْتَجْ إلَى قَوْلِهِ: {وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} [الشرح: ٨] فَإِنَّهُ قَدْ عُلِمَ أَنَّ الدُّعَاءَ إنَّمَا يَكُونُ لِلَّهِ.

فَعُلِمَ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِشَيْئَيْنِ: أَنْ يَجْتَهِدَ فِي الْعِبَادَةِ عِنْدَ فَرَاغِهِ مِنْ أَشْغَالِهِ، وَأَنْ تَكُونَ رَغْبَتُهُ إلَى رَبِّهِ لَا إلَى غَيْرِهِ كَمَا فِي قَوْلِهِ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: ٥] فَقَوْلُهُ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: ٥] ، مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ {فَانْصَبْ} [الشرح: ٧] .

وَقَوْلُهُ: {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: ٥] مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ {وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} [الشرح: ٨] ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ: {فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} [هود: ١٢٣] وَقَوْلُهُ: {هُوَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ} [الرعد: ٣٠] . وَقَوْلُ شُعَيْبٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود: ٨٨] وَمِنْهُ الَّذِي يُرْوَى عِنْدَ دُخُولِ الْمَسْجِدِ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ أَوْجَهِ مَنْ تَوَجَّهَ إلَيْك، وَأَقْرَبَ مَنْ تَقَرَّبَ إلَيْك، وَأَفْضَلَ مَنْ سَأَلَك وَرَغِبَ إلَيْك» ، وَالْأَثَرُ الْآخَرُ وَإِلَيْك الرَّغْبَاءُ وَالْعَمَلُ، وَذَلِكَ أَنَّ دُعَاءَ اللَّهِ الْمَذْكُورَ فِي الْقُرْآنِ نَوْعَانِ: دُعَاءُ عِبَادَةٍ، وَدُعَاءُ مَسْأَلَةٍ وَرَغْبَةٍ، فَقَوْلُهُ: {فَانْصَبْ} [الشرح: ٧] {وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} [الشرح: ٨] يَجْمَعُ نَوْعَيْ دُعَاءِ اللَّهِ، قَالَ تَعَالَى: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا} [الجن: ١٩] وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ} [المؤمنون: ١١٧] الْآيَةَ وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ.

وَأَمَّا لَفْظُ دُبُرَ الصَّلَاةِ، فَقَدْ يُرَادُ بِهِ آخِرَ جُزْءٍ مِنْهُ، وَقَدْ يُرَادُ بِهِ مَا يَلِي آخِرَ جُزْءٍ مِنْهُ. كَمَا فِي دُبُرِ الْإِنْسَانِ فَإِنَّهُ آخِرُ جُزْءٍ مِنْهُ، وَمِثْلُهُ لَفْظُ " الْعَقِبِ " قَدْ يُرَادُ بِهِ الْجُزْءُ الْمُؤَخَّرُ مِنْ الشَّيْءِ، كَعَقِبِ الْإِنْسَانِ وَقَدْ يُرَادُ بِهِ مَا يَلِي ذَلِكَ. فَالدُّعَاءُ الْمَذْكُورُ فِي دُبُرِ الصَّلَاةِ إمَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ آخِرُ جُزْءٍ مِنْهَا لِيُوَافِقَ بَقِيَّةَ الْأَحَادِيثِ، أَوْ يُرَادَ بِهِ مَا يَلِي آخِرَهَا، وَيَكُونُ ذَلِكَ مَا بَعْدَ التَّشَهُّدِ كَمَا سُمِّيَ ذَلِكَ قَضَاءً لِلصَّلَاةِ وَفَرَاغًا مِنْهَا حَيْثُ لَمْ يَبْقَ إلَّا السَّلَامُ الْمُنَافِي لِلصَّلَاةِ؛ بِحَيْثُ لَوْ فَعَلَهُ عَمْدًا فِي الصَّلَاةِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَلَا تَبْطُلُ سَائِرُ الْأَذْكَارِ الْمَشْرُوعَةِ فِي الصَّلَاةِ، أَوْ يَكُونُ مُطْلَقًا أَوْ مُجْمَلًا. وَبِكُلِّ حَالٍ فَلَا يَجُوزُ

<<  <  ج: ص:  >  >>