للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْقُنُوتُ قَبْلَ الرُّكُوعِ قَدْ يُرَادُ بِهِ طُولُ الْقِيَامِ قَبْلَ الرُّكُوعِ، سَوَاءٌ كَانَ هُنَاكَ دُعَاءٌ زَائِدٌ، أَوْ لَمْ يَكُنْ. فَحِينَئِذٍ فَلَا يَكُونُ اللَّفْظُ دَالًّا عَلَى قُنُوتِ الدُّعَاءِ، وَقَدْ ذَهَبَ طَائِفَةٌ إلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْقُنُوتُ الدَّائِمُ فِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، مُحْتَجِّينَ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَنَتَ فِيهَا وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الرَّاتِبِ وَالْعَارِضِ، وَهَذَا قَوْلٌ شَاذٌّ.

وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّ النَّبِيَّ قَنَتَ لِسَبَبٍ نَزَلَ بِهِ ثُمَّ تَرَكَهُ عِنْدَ عَدَمِ ذَلِكَ السَّبَبِ النَّازِلِ بِهِ، فَيَكُونُ الْقُنُوتُ مَسْنُونًا عِنْدَ النَّوَازِلِ، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ فُقَهَاءُ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَهُوَ الْمَأْثُورُ عَنْ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.

فَإِنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَمَّا حَارَبَ النَّصَارَى قَنَتَ عَلَيْهِمْ الْقُنُوتَ الْمَشْهُورَ: اللَّهُمَّ عَذِّبْ كَفَرَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ. إلَى آخِرِهِ. وَهُوَ الَّذِي جَعَلَهُ بَعْضُ النَّاسِ سُنَّةً فِي قُنُوتِ رَمَضَانَ، وَلَيْسَ هَذَا الْقُنُوتُ سُنَّةً رَاتِبَةً. لَا فِي رَمَضَانَ وَلَا غَيْرِهِ، بَلْ عُمَرُ قَنَتَ لَمَّا نَزَلَ بِالْمُسْلِمِينَ مِنْ النَّازِلَةِ وَدَعَا فِي قُنُوتِهِ دُعَاءً يُنَاسِبُ تِلْكَ النَّازِلَةَ، كَمَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا قَنَتَ أَوَّلًا عَلَى قَبَائِلِ بَنِي سُلَيْمٍ الَّذِينَ قَتَلُوا الْقُرَّاءَ، دَعَا عَلَيْهِمْ بِاَلَّذِي يُنَاسِبُ مَقْصُودَهُ، ثُمَّ لَمَّا قَنَتَ يَدْعُو لِلْمُسْتَضْعَفَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ دَعَا بِدُعَاءٍ يُنَاسِبُ مَقْصُودَهُ. فَسُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ تَدُلُّ عَلَى شَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ دُعَاءَ الْقُنُوتِ مَشْرُوعٌ عِنْدَ السَّبَبِ الَّذِي يَقْتَضِيهِ، لَيْسَ بِسُنَّةٍ دَائِمَةٍ فِي الصَّلَاةِ.

الثَّانِي: أَنَّ الدُّعَاءَ فِيهِ لَيْسَ دُعَاءً رَاتِبًا، بَلْ يَدْعُو فِي كُلِّ قُنُوتٍ بِاَلَّذِي يُنَاسِبُهُ. كَمَا دَعَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوَّلًا، وَثَانِيًا. وَكَمَا دَعَا عُمَرُ وَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَمَّا حَارَبَ مَنْ حَارَبَهُ فِي الْفِتْنَةِ، فَقَنَتَ وَدَعَا بِدُعَاءٍ يُنَاسِبُ مَقْصُودَهُ، وَاَلَّذِي يُبَيِّنُ هَذَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْنُتُ دَائِمًا، وَيَدْعُو بِدُعَاءٍ رَاتِبٍ، لَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يَنْقُلُونَ هَذَا عَنْ نَبِيِّهِمْ، فَإِنَّ هَذَا مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي تَتَوَفَّرُ الْهِمَمُ وَالدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهَا، وَهُمْ الَّذِينَ نَقَلُوا عَنْهُ فِي قُنُوتِهِ مَا لَمْ يُدَاوِمْ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ بِسُنَّةٍ رَاتِبَةٍ، كَدُعَائِهِ عَلَى الَّذِينَ قَتَلُوا أَصْحَابَهُ، وَدُعَائِهِ لِلْمُسْتَضْعَفَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَنَقَلُوا قُنُوتَ عُمَرَ وَعَلِيٍّ عَلَى مَنْ كَانُوا يُحَارِبُونَهُمْ.

فَكَيْفَ يَكُونُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْنُتُ دَائِمًا فِي الْفَجْرِ أَوْ غَيْرِهَا، وَيَدْعُو بِدُعَاءٍ رَاتِبٍ، وَلَمْ يُنْقَلْ هَذَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا فِي خَبَرٍ صَحِيحٍ، وَلَا ضَعِيفٍ؟ ، بَلْ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِينَ هُمْ أَعْلَمُ النَّاسِ بِسُنَّتِهِ، وَأَرْغَبُ النَّاسِ فِي اتِّبَاعِهَا، كَابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ أَنْكَرُوا،

<<  <  ج: ص:  >  >>