الْإِمَامِ تُجْزِئُهُ قِرَاءَةُ الْإِمَامِ، وَإِذَا صَلَّى وَحْدَهُ فَلْيَقْرَأْ. قَالَ: وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، لَا يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ
، وَرَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ سَأَلَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ عَنْ الْقِرَاءَة مَعَ الْإِمَامِ، فَقَالَ: لَا قِرَاءَةَ مَعَ الْإِمَامِ فِي شَيْءٍ.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي وَائِلٍ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ ابْنَ مَسْعُودٍ عَنْ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ، فَقَالَ: أَنْصِتْ لِلْقُرْآنِ، فَإِنَّ فِي الصَّلَاةِ شُغْلًا، وَسَيَكْفِيك ذَلِكَ الْإِمَامُ، وَابْنُ مَسْعُودٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ هُمَا فَقِيهًا أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَأَهْلِ الْكُوفَةِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَفِي كَلَامِهِمَا تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ الْمَانِعَ إنْصَاتُهُ لِقِرَاءَةِ الْإِمَامِ.
وَكَذَلِكَ الْبُخَارِيُّ فِي " كِتَابِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ " عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: وَرَوَى الْحَارِثُ عَنْ عَلِيٍّ يُسَبِّحُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ، قَالَ: وَلَمْ يَصِحَّ، وَخَالَفَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، سَمِعَ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاشِدٍ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، حَدَّثَهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: إذَا لَمْ يَجْهَرْ الْإِمَامُ فِي الصَّلَوَاتِ، فَاقْرَأْ بِأُمِّ الْكِتَابِ، وَسُورَةٍ أُخْرَى فِي الْأُولَيَيْنِ، مِنْ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَفِي الْآخِرَةِ مِنْ الْمَغْرِبِ، وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ، مِنْ الْعِشَاءِ.
وَأَيْضًا: فَفِي إجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّهُ فِيمَا زَادَ عَلَى الْفَاتِحَةِ يُؤْمَرُ بِالِاسْتِمَاعِ دُونَ الْقِرَاءَةِ: دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اسْتِمَاعَهُ لِقِرَاءَةِ الْإِمَامِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ قِرَاءَتِهِ مَعَهُ بَلْ عَلَى أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالِاسْتِمَاعِ دُونَ الْقِرَاءَةِ مَعَ الْإِمَامِ.
وَأَيْضًا: فَلَوْ كَانَتْ الْقِرَاءَةُ فِي الْجَهْرِ وَاجِبَةً عَلَى الْمَأْمُومِ لَلَزِمَ أَحَدُ أَمْرَيْنِ: إمَّا أَنْ يَقْرَأَ مَعَ الْإِمَامِ، وَإِمَّا أَنْ يَجِبَ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَسْكُتَ لَهُ حَتَّى يَقْرَأَ
وَلَمْ نَعْلَمْ نِزَاعًا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَسْكُتَ لِقِرَاءَةِ الْمَأْمُومِ بِالْفَاتِحَةِ وَلَا غَيْرِهَا، وَقِرَاءَتُهُ مَعَهُ مَنْهِيٌّ عَنْهَا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.
فَثَبَتَ أَنَّهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ مَعَهُ فِي حَالِ الْجَهْرِ، بَلْ نَقُولُ: لَوْ كَانَتْ قِرَاءَةُ الْمَأْمُومِ فِي حَالِ الْجَهْرِ وَالِاسْتِمَاعِ مُسْتَحَبَّةً، لَاسْتُحِبَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْكُتَ لِقِرَاءَةِ الْمَأْمُومِ، وَلَا يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ السُّكُوتُ لِيَقْرَأَ الْمَأْمُومُ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ، وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِمْ.
وَحُجَّتُهُمْ فِي ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ يَسْكُتُ لِيَقْرَأَ الْمَأْمُومُونَ، وَلَا نَقَلَ هَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute