أَحَدٌ عَنْهُ، بَلْ ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ سُكُوتُهُ بَعْدَ التَّكْبِيرِ لِلِاسْتِفْتَاحِ، وَفِي السُّنَنِ: «أَنَّهُ كَانَ لَهُ سَكْتَتَانِ سَكْتَةٌ. فِي أَوَّلِ الْقِرَاءَةِ، وَسَكْتَةٌ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْقِرَاءَةِ» .
وَهِيَ سَكْتَةٌ لَطِيفَةٌ لِلْفَصْلِ لَا تَتَّسِعُ لِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ.
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ هَذِهِ السَّكْتَةَ كَانَتْ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ: إنَّهُ كَانَ لَهُ ثَلَاثُ سَكَتَاتٍ، وَلَا أَرْبَعُ سَكَتَاتٍ، فَمَنْ نَقَلَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَلَاثَ سَكَتَاتٍ أَوْ أَرْبَعَ فَقَدْ قَالَ قَوْلًا لَمْ يَنْقُلْهُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَالسَّكْتَةُ الَّتِي عَقِبَ قَوْلِهِ: {وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: ٧] مِنْ جِنْسِ السَّكَتَاتِ الَّتِي عِنْدَ رُءُوسِ الْآيِ.
وَمِثْلُ هَذَا لَا يُسَمَّى سُكُوتًا؛ وَلِهَذَا لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ: إنَّهُ يَقْرَأُ فِي مِثْلِ هَذَا.
وَكَانَ بَعْضُ مَنْ أَدْرَكْنَا مِنْ أَصْحَابِنَا يَقْرَأُ عَقِبَ السُّكُوتِ عِنْدَ رُءُوسِ الْآيِ.
فَإِذَا قَالَ الْإِمَامُ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: ٢] قَالَ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: ٢] وَإِذَا قَالَ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: ٥] قَالَ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: ٥] وَهَذَا لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ.
وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي سُكُوتِ الْإِمَامِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: فَقِيلَ: لَا سُكُوتَ فِي الصَّلَاةِ بِحَالٍ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. وَقِيلَ: فِيهَا سَكْتَةٌ وَاحِدَةٌ لِلِاسْتِفْتَاحِ، كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَقِيلَ فِيهَا: سَكْتَتَانِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمَا لِحَدِيثِ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَهُ سَكْتَتَانِ: سَكْتَةٌ حِينَ يَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ، وَسَكْتَةٌ إذَا فَرَغَ مِنْ السُّورَةِ الثَّانِيَةِ. قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ» فَذَكَرَ ذَلِكَ لِعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، فَقَالَ: كَذَبَ سَمُرَةُ فَكَتَبَ فِي ذَلِكَ إلَى الْمَدِينَةِ إلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، فَقَالَ: صَدَقَ سَمُرَةُ، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَاللَّفْظُ لَهُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ.
وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد: «سَكْتَةٌ إذَا كَبَّرَ. وَسَكْتَةٌ إذَا فَرَغَ مِنْ {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: ٧] »
وَأَحْمَدُ رَجَّحَ الرِّوَايَةَ الْأُولَى وَاسْتَحَبَّ السَّكْتَةَ الثَّانِيَةَ؛ لِأَجْلِ الْفَصْلِ، وَلَمْ يَسْتَحِبَّ أَحْمَدُ أَنْ يَسْكُتَ الْإِمَامُ لِقِرَاءَةِ الْمَأْمُومِ، وَلَكِنَّ بَعْضَ أَصْحَابِهِ اسْتَحَبَّ ذَلِكَ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَوْ كَانَ يَسْكُتُ سَكْتَةً تَتَّسِعُ لِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ، لَكَانَ هَذَا مِمَّا تَتَوَفَّرُ الْهِمَمُ وَالدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ، فَلَمَّا لَمْ يَنْقُلْ هَذَا أَحَدٌ عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ.
وَالسَّكْتَةُ الثَّانِيَةُ فِي حَدِيثِ سَمُرَةَ قَدْ نَفَاهَا عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ، وَذَلِكَ أَنَّهَا سَكْتَةٌ يَسِيرَةٌ، قَدْ لَا يَنْضَبِطُ مِثْلُهَا، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهَا بَعْدَ الْفَاتِحَةِ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يَسْكُتْ إلَّا