للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُصَلِّيَ أَعْظَمَ مِمَّا يَتَنَاوَلُ غَيْرَهُ؛ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَلَهُ بِكُلِّ حَرْفٍ عَشْرُ حَسَنَاتٍ، أَمَا إنِّي لَا أَقُولُ: الم حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلْفٌ حَرْفٌ، وَلَامٌ حَرْفٌ، وَمِيمٌ حَرْفٌ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ.

وَقَدْ ثَبَتَ فِي خُصُوصِ الصَّلَاةِ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ «أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ - ثَلَاثًا أَيْ: غَيْرُ تَمَامٍ فَقِيلَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ: إنِّي أَكُونُ وَرَاءَ الْإِمَامِ. فَقَالَ: اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِك فَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: قَالَ اللَّهُ: قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، فَنِصْفُهَا لِي، وَنِصْفُهَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ. فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: ٢] قَالَ اللَّهُ: حَمِدَنِي عَبْدِي، فَإِذَا قَالَ: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: ٣] قَالَ اللَّهُ: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي، فَإِذَا قَالَ: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: ٤] قَالَ: مَجَّدَنِي عَبْدِي، وَقَالَ مَرَّةً: فَوَّضَ إلَيَّ عَبْدِي - فَإِذَا قَالَ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: ٥] قَالَ: هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة: ٦] {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: ٧] قَالَ: هَذَا لِعَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ» .

وَرَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ «عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى الظُّهْرَ، فَجَعَلَ رَجُلٌ يَقْرَأُ خَلْفَهُ: بِ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: ١] ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: أَيُّكُمْ قَرَأَ أَوْ أَيُّكُمْ الْقَارِئُ - قَالَ رَجُلٌ: أَنَا، قَالَ: قَدْ ظَنَنْتُ أَنَّ بَعْضَكُمْ خَالَجَنِيهَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

فَهَذَا قَدْ قَرَأَ خَلْفَهُ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ وَلَمْ يَنْهَهُ وَلَا غَيْرَهُ عَنْ الْقِرَاءَةِ، لَكِنْ قَالَ: «قَدْ ظَنَنْت أَنَّ بَعْضَكُمْ خَالَجَنِيهَا» أَيْ نَازَعَنِيهَا.

كَمَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: «إنِّي أَقُولُ مَا لِي أُنَازَعُ الْقُرْآنَ» .

وَفِي الْمُسْنَدِ عَنْ «ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: كَانُوا يَقْرَءُونَ خَلْفَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: خَلَطْتُمْ عَلَيَّ الْقُرْآنَ» فَهَذَا كَرَاهَةٌ مِنْهُ لِمَنْ نَازَعَهُ وَخَالَجَهُ، وَخَلَطَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ، وَهَذَا لَا يَكُونُ مِمَّنْ قَرَأَ فِي نَفْسِهِ بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُهُ غَيْرُهُ، وَإِنَّمَا يَكُونُ مِمَّنْ أَسْمَعَ غَيْرَهُ، وَهَذَا مَكْرُوهٌ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُنَازَعَةِ لِغَيْرِهِ، لَا لِأَجْلِ كَوْنِهِ قَارِئًا خَلْفَ الْإِمَامِ، وَأَمَّا مَعَ مَخَافَتِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>