للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سُكُوتِ الْإِمَامِ، هَلْ يَشْتَغِلُ بِالِاسْتِفْتَاحِ، أَوْ الِاسْتِعَاذَةِ، أَوْ بِأَحَدِهِمَا أَوْ لَا يَشْتَغِلُ إلَّا بِالْقِرَاءَةِ لِكَوْنِهَا مُخْتَلَفًا فِي وُجُوبِهَا.

وَأَمَّا فِي حَالِ الْجَهْرِ فَلَا يَشْتَغِلُ بِغَيْرِ الْإِنْصَاتِ وَالْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَصْحَابِهِ أَنَّ هَذَا النِّزَاعَ هُوَ فِي حَالِ الْجَهْرِ، لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّعْلِيلِ، وَأَمَّا فِي حَالِ الْمُخَافَتَةِ فَالْأَفْضَلُ لَهُ أَنْ يَسْتَفْتِحَ، وَاسْتِفْتَاحُهُ حَالَ سُكُوتِ الْإِمَامِ أَفْضَلُ مِنْ قِرَاءَتِهِ فِي ظَاهِرِ مَذْهَبِ أَحْمَدَ، وَأَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ يُعْتَاضُ عَنْهَا بِالِاسْتِمَاعِ، بِخِلَافِ الِاسْتِفْتَاحِ.

وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ: إنَّ قِرَاءَةَ الْمَأْمُومِ مُخْتَلَفٌ فِي وُجُوبِهَا، فَيُقَالُ: وَكَذَلِكَ الِاسْتِفْتَاحُ هَلْ يَجِبُ؟ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ.

وَلَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُهُ: إنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمَأْمُومِ الْقِرَاءَةُ فِي حَالِ الْجَهْرِ، وَاخْتَارَ ابْنُ بَطَّةَ وُجُوبَ الِاسْتِفْتَاحِ، وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ رِوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ.

فَعُلِمَ أَنَّ مَنْ قَالَ مِنْ أَصْحَابِهِ كَأَبِي الْفَرَجِ بْنِ الْجَوْزِيِّ أَنَّ الْقِرَاءَةَ حَالَ الْمُخَافَتَةِ أَفْضَلُ فِي مَذْهَبِهِ مِنْ الِاسْتِفْتَاحِ، فَقَدْ غَلَطَ عَلَى مَذْهَبِهِ.

وَلَكِنْ هَذَا يُنَاسِبُ قَوْلَ مَنْ اسْتَحَبَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ حَالَ الْجَهْرِ، وَهَذَا مَا عَلِمْتُ أَحَدًا قَالَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ، قَبْلَ جَدِّي أَبِي الْبَرَكَاتِ، وَلَيْسَ هُوَ مَذْهَبَ أَحْمَدَ وَلَا عَامَّةِ أَصْحَابِهِ، مَعَ أَنَّ تَعْلِيلَ الْأَحْكَامِ بِالْخِلَافِ عِلَّةٌ بَاطِلَةٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، فَإِنَّ الْخِلَافَ لَيْسَ مِنْ الصِّفَاتِ الَّتِي يُعَلِّقُ الشَّارِعُ بِهَا الْأَحْكَامَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، فَإِنَّ ذَلِكَ وَصْفٌ حَادِثٌ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَكِنْ يَسْلُكُهُ مَنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِالْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، لِطَلَبِ الِاحْتِيَاطِ.

وَعَلَى هَذَا فَفِي حَالِ الْمُخَافَتَةِ هَلْ يُسْتَحَبُّ لَهُ مَعَ الِاسْتِفْتَاحِ الِاسْتِعَاذَةُ إذَا لَمْ يَقْرَأْ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.

وَالصَّوَابُ: أَنَّ الِاسْتِعَاذَةَ لَا تُشْرَعُ إلَّا لِمَنْ قَرَأَ، فَإِنْ اتَّسَعَ الزَّمَانُ لِلْقِرَاءَةِ اسْتَعَاذَ وَقَرَأَ، وَإِلَّا أَنْصَتَ.

وَأَمَّا الْفَصْلُ الثَّانِي: وَهُوَ الْقِرَاءَةُ إذَا لَمْ يَسْمَعْ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ كَحَالِ مُخَافَتَةِ الْإِمَامِ وَسُكُوتِهِ، فَإِنَّ الْأَمْرَ بِالْقِرَاءَةِ وَالتَّرْغِيبَ فِيهَا يَتَنَاوَلُ الْمُصَلِّيَ أَعْظَمَ مِمَّا يَتَنَاوَلُ غَيْرَهُ، فَإِنَّ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ فِي الصَّلَاةِ أَفْضَلُ مِنْهَا خَارِجَ الصَّلَاةِ، وَمَا وَرَدَ مِنْ الْفَضْلِ لِقَارِئِ الْقُرْآنِ يَتَنَاوَلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>