وَمَضْمُونُهُ أَنَّهُ فِي تِلْكَ السَّبْعِ اللَّيَالِي مِنْ كَثْرَةِ مَا أَجَابَهُ وَكَلَّمَهُ فَفَارَقَهُ أُمُورٌ قَامَتْ بِهِ مِنْ حَرَكَاتٍ وَأَصْوَاتٍ، بَلْ وَمِنْ صِفَاتٍ قَائِمَةٍ بِالنَّفْسِ، كَانَ ذَلِكَ نَزِيفًا، وَمِمَّا يُقَوِّي هَذَا الْمَعْنَى أَنَّ الْإِنْسَانَ.
وَإِنْ كَانَ عِلْمُهُ فِي نَفْسِهِ، فَلَيْسَ هُوَ أَمْرًا لَازِمًا لِلنَّفْسِ لُزُومَ الْأَلْوَانِ لِلْمُتَلَوِّنَاتِ، بَلْ قَدْ يَذْهَلُ الْإِنْسَانُ عَنْهُ وَيَغْفُلُ، وَقَدْ يَنْسَاهُ ثُمَّ يَذْكُرُهُ، فَهُوَ شَيْءٌ يَحْضُرُ تَارَةً وَيَغِيبُ أُخْرَى، وَإِذَا تَكَلَّمَ بِهِ الْإِنْسَانُ وَعَلِمَهُ فَقَدْ تَكِلُّ النَّفْسُ وَتَعْيَا، حَتَّى لَا يَقْوَى عَلَى اسْتِحْضَارِهِ إلَّا بَعْدَ مُدَّةٍ، فَتَكُونُ فِي تِلْكَ الْحَالِ خَالِيَةً عَنْ كَمَالِ تَحَقُّقِهِ وَاسْتِحْضَارِهِ الَّذِي يَكُونُ بِهِ الْعَالِمُ عَالِمًا بِالْفِعْلِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَفْسُ مَا زَالَ، هُوَ بِعَيْنِهِ الْقَائِمُ فِي نَفْسِ السَّائِلِ وَالْمُسْتَمِعِ، وَمَنْ قَالَ هَذَا يَقُولُ كَوْنُ التَّعْلِيمِ يُرَسِّخُ الْعِلْمَ مِنْ وَجْهٍ لَا يُنَافِي مَا ذَكَرْنَاهُ. وَإِذَا كَانَ مِثْلُ هَذَا النَّقْصِ وَالنَّزِيفِ مَعْقُولًا فِي عِلْمِ الْعِبَادِ، كَانَ اسْتِعْمَالُ لَفْظِ النَّقْصِ فِي عِلْمِ اللَّهِ بِنَاءً عَلَى اللُّغَةِ الْمُعْتَادِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ هُوَ سُبْحَانَهُ مُنَزَّهًا عَنْ اتِّصَافِهِ بِضِدِّ الْعِلْمِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ، أَوْ عَلَى زَوَالِ عِلْمِهِ عَنْهُ، لَكِنْ فِي قِيَامِ أَفْعَالٍ بِهِ وَحَرَكَاتٍ نِزَاعٌ بَيْنَ النَّاسِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ.
وَتَحْقِيقُ الْأَمْرِ أَنَّ الْمُرَادَ مَا أَخَذَ عِلْمِي وَعِلْمُك مِنْ عِلْمِ اللَّهِ، وَمَا نَالَ عِلْمِي وَعِلْمُك مِنْ عِلْمِ اللَّهِ، وَمَا أَحَاطَ عِلْمِي وَعِلْمُك مِنْ عِلْمِ اللَّهِ، كَمَا قَالَ: {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ} [البقرة: ٢٥٥] . إلَّا كَمَا نَقَصَ أَوْ أَخَذَ أَوْ نَالَ هَذَا الْعُصْفُورُ مِنْ هَذَا الْبَحْرِ، أَيْ نِسْبَةُ هَذَا إلَى هَذَا كَنِسْبَةِ هَذَا إلَى هَذَا، وَإِنْ كَانَ الْمُشَبَّهُ بِهِ جِسْمًا يَنْتَقِلُ مِنْ مَحَلٍّ إلَى مَحَلٍّ، وَيَزُولُ عَنْ الْمَحَلِّ الْأَوَّلِ، وَلَيْسَ الْمُشَبَّهُ كَذَلِكَ، فَإِنَّ هَذَا الْفَرْقَ هُوَ فَرْقٌ ظَاهِرٌ يَعْلَمُهُ الْمُسْتَمِعُ مِنْ غَيْرِ الْتِبَاسٍ، كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ» .
فَشَبَّهَ الرُّؤْيَةَ بِالرُّؤْيَةِ، وَهِيَ وَإِنْ كَانَتْ مُتَعَلِّقَةً بِالْمَرْئِيِّ فِي الرُّؤْيَةِ الْمُشَبَّهَةِ وَالرُّؤْيَةِ الْمُشَبَّهِ بِهَا، لَكِنْ قَدْ عَلِمَ الْمُسْتَمِعُونَ أَنَّ الْمَرْئِيَّ لَيْسَ مِثْلَ الْمَرْئِيِّ، فَكَذَلِكَ هُنَا شَبَّهَ النَّقْصَ بِالنَّقْصِ، وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْ النَّاقِصِ وَالْمَنْقُوصِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute