عِنْدَ مَالِكٍ إذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَنَّهُ يَجْمَعُ الْمُسَافِرُ، وَإِنْ كَانَ نَازِلًا.
وَسَبَبُ هَذَا النِّزَاعِ مَا بَلَغَهُمْ مِنْ أَحَادِيثِ الْجَمْعِ، فَإِنَّ أَحَادِيثَ الْجَمْعِ قَلِيلَةٌ، فَالْجَمْعُ بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَهُوَ مَنْقُولٌ بِالتَّوَاتُرِ فَلَمْ يَتَنَازَعُوا فِيهِ.
وَأَبُو حَنِيفَةَ لَمْ يَقُلْ بِغَيْرِهِ لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ الَّذِي فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ: «مَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى صَلَاةً لِغَيْرِ وَقْتِهَا إلَّا صَلَاةَ الْفَجْرِ بِمُزْدَلِفَةَ، وَصَلَاةَ الْمَغْرِبِ لَيْلَةَ جَمْعٍ» .
وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ: " فِي الْفَجْر لِغَيْرِ وَقْتِهَا " الَّتِي كَانَتْ عَادَتُهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا فِيهِ فَإِنَّهُ جَاءَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ جَابِرٍ: «أَنَّهُ صَلَّى الْفَجْرَ بِمُزْدَلِفَةَ بَعْدَ أَنْ بَرِقَ الْفَجْرُ» وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ الْفَجْرَ لَا يُصَلَّى حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ، لَا بِمُزْدَلِفَةَ وَلَا غَيْرِهَا، لَكِنْ بِمُزْدَلِفَةَ غَلَّسَ بِهَا تَغْلِيسًا شَدِيدًا.
وَأَمَّا أَكْثَرُ الْأَئِمَّةِ فَبَلَغَتْهُمْ أَحَادِيثُ فِي الْجَمْعِ صَحِيحَةٌ، كَحَدِيثِ أَنَسٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَمُعَاذٍ وَكُلُّهَا مِنْ الصَّحِيحِ.
فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ إلَى وَقْتِ الْعَصْرِ، ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّاهُمَا جَمِيعًا، وَإِذَا ارْتَحَلَ بَعْدَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ ثُمَّ رَكِبَ» وَفِي لَفْظٍ فِي الصَّحِيحِ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَرَادَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي السَّفَرِ أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى يَدْخُلَ أَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ، ثُمَّ جَمَعَ بَيْنَهُمَا» وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا عَجَّلَ بِهِ السَّيْرُ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ» وَفِي لَفْظٍ فِي الصَّحِيحِ «أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بَعْدَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ. وَيَقُولُ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ» .
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي سَفْرَةٍ سَافَرَهَا فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَجَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ قُلْت لِابْنِ عَبَّاسٍ: مَا حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ؟ قَالَ: أَرَادَ أَنْ لَا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ» . وَكَذَلِكَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: «جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute