للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْجَوَابُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الْكَلَامُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: مِنْ جِهَةِ ثُبُوتِهِ عَنْ الشَّيْخِ. وَالثَّانِي: مِنْ جِهَةِ صِحَّتِهِ فِي نَفْسِهِ وَفَسَادِهِ. أَمَّا الْمَقَامُ الْأَوَّلُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ الْأُسْتَاذَ أَبَا الْقَاسِمِ لَمْ يَذْكُرْ هَذَا عَنْ الشَّيْخِ أَبِي سُلَيْمَانَ بِإِسْنَادٍ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ مُرْسَلًا عَنْهُ، وَمَا يَذْكُرُهُ أَبُو الْقَاسِمِ فِي رِسَالَتِهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْمَشَايِخِ وَغَيْرِهِمْ تَارَةً يَذْكُرُهُ بِإِسْنَادٍ، وَتَارَةً يُذْكَرُ مُرْسَلًا. وَكَثِيرًا مَا يَقُولُ: وَقِيلَ كَذَا.

ثُمَّ الَّذِي يَذْكُرُهُ بِالْإِسْنَادِ تَارَةً يَكُونُ إسْنَادُهُ صَحِيحًا، وَتَارَةً يَكُونُ ضَعِيفًا، بَلْ مَوْضُوعًا، وَمَا يَذْكُرُهُ مُرْسَلًا وَمَحْذُوفَ الْقَائِلِ أَوْلَى، وَهَذَا كَمَا يُوجَدُ ذَلِكَ فِي مُصَنَّفَاتِ الْفُقَهَاءِ، فَإِنَّ فِيهَا مِنْ الْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ مَا هُوَ صَحِيحٌ، وَمِنْهَا مَا هُوَ ضَعِيفٌ، وَمِنْهَا مَا هُوَ مَوْضُوعٌ، فَالْمَوْجُودُ فِي كُتُبِ الرَّقَائِقِ وَالتَّصَوُّفِ مِنْ الْآثَارِ الْمَنْقُولَةِ فِيهَا الصَّحِيحُ وَفِيهَا الضَّعِيفُ وَفِيهَا الْمَوْضُوعُ.

وَهَذَا الْأَمْرُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ، لَا يَتَنَازَعُونَ أَنَّ هَذِهِ الْكُتُبَ فِيهَا هَذَا، وَفِيهَا هَذَا. بَلْ نَفْسُ الْكُتُبِ الْمُصَنَّفَةِ فِي التَّفْسِيرِ فِيهَا هَذَا، وَهَذَا، مَعَ أَنَّ أَهْلَ الْحَدِيثِ أَقْرَبُ إلَى مَعْرِفَةِ الْمَنْقُولَاتِ، وَفِي كُتُبِهِمْ هَذَا وَهَذَا، فَكَيْفَ غَيْرُهُمْ.

وَالْمُصَنَّفُونَ قَدْ يَكُونُونَ أَئِمَّةً فِي الْفِقْهِ، أَوْ التَّصَوُّفِ، أَوْ الْحَدِيثِ، وَيَرْوُونَ هَذَا تَارَةً لِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ كَذِبٌ، وَهُوَ الْغَالِبُ عَلَى أَهْلِ الدِّينِ، فَإِنَّهُمْ لَا يَحْتَجُّونَ بِمَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ كَذِبٌ، وَتَارَةً يَذْكُرُونَهُ، وَإِنْ عَلِمُوا أَنَّهُ كَذِبٌ إذْ قَصْدُهُمْ رِوَايَةُ مَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ الْبَابِ، وَرِوَايَةُ الْأَحَادِيثِ الْمَكْذُوبَةِ مَعَ بَيَانِ كَوْنِهَا كَذِبًا جَائِزٌ.

وَأَمَّا رِوَايَتُهَا مَعَ الْإِمْسَاكِ عَنْ ذَلِكَ رِوَايَةُ عَمَلٍ، فَإِنَّهُ حَرَامٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ حَدَّثَ عَنِّي حَدِيثًا وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَذَّابِينَ» .

وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ، مُتَأَوِّلِينَ أَنَّهُمْ لَمْ يَكْذِبُوا، وَإِنَّمَا نَقَلُوا مَا رَوَاهُ غَيْرُهُمْ، وَهَذَا يَسْهُلُ إذَا رَوَوْهُ لِتَعْرِيفِ أَنَّهُ رُوِيَ، لَا لِأَجْلِ الْعَمَلِ بِهِ وَلَا الِاعْتِمَادِ عَلَيْهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>