للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ مَا يُوجَدُ فِي الرِّسَالَةِ وَأَمْثَالِهَا مِنْ كُتُبِ الْفُقَهَاءِ وَالصُّوفِيَّةِ وَأَهْلِ الْحَدِيثِ مِنْ الْمَنْقُولَاتِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَغَيْرِهِ مِنْ السَّلَفِ، فِيهِ الصَّحِيحُ وَالضَّعِيفُ وَالْمَوْضُوعُ. فَالصَّحِيحُ الَّذِي قَامَتْ الدَّلَالَةُ عَلَى صِدْقِهِ. وَالْمَوْضُوعُ الَّذِي قَامَتْ الدَّلَالَةُ عَلَى كَذِبِهِ. وَالضَّعِيفُ الَّذِي رَوَاهُ مَنْ لَمْ يُعْلَمْ صِدْقُهُ: إمَّا لِسُوءِ حِفْظِهِ، وَإِمَّا لِاتِّهَامِهِ، وَلَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ صَادِقًا فِيهِ، فَإِنَّ الْفَاسِقَ قَدْ يَصْدُقُ وَالْغَالِطُ قَدْ يَحْفَظُ.

وَغَالِبُ أَبْوَابِ الرِّسَالَةِ فِيهَا الْأَقْسَامُ الثَّلَاثَةُ، وَمِنْ ذَلِكَ بَابُ الرِّضَا، فَإِنَّهُ ذَكَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاَللَّهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَبِيًّا» . وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، وَإِنْ كَانَ الْأُسْتَاذُ لَمْ يَذْكُرْ أَنَّ مُسْلِمًا رَوَاهُ، لَكِنَّهُ رَوَاهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَذَكَرَ فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ حَدِيثًا ضَعِيفًا بَلْ مَوْضُوعًا، وَهُوَ حَدِيثُ جَابِرٍ الطَّوِيلُ، الَّذِي رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ الْفَضْلِ بْنِ عِيسَى الرَّقَاشِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ، فَهُوَ وَإِنْ كَانَ أَوَّلَ حَدِيثٍ ذَكَرَهُ فِي الْبَابِ، فَإِنَّ حَدِيثَ الْفَضْلِ بْنِ عِيسَى مِنْ أَوْهَى الْأَحَادِيثِ وَأَسْقَطَهَا.

وَلَا نِزَاعَ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ لَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهَا، وَلَا يُحْتَجُّ بِهَا، فَإِنَّ الضَّعْفَ ظَاهِرٌ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَ هُوَ لَا يَعْتَمِدُ الْكَذِبَ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْفُقَهَاءِ لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِمْ لِسُوءِ الْحِفْظِ لَا لِاعْتِمَادِ الْكَذِبِ، وَهَذَا الرَّقَاشِيُّ اتَّفَقُوا عَلَى ضَعْفِهِ، كَمَا يَعْرِفُ ذَلِكَ أَئِمَّةُ هَذَا الشَّأْنِ، حَتَّى قَالَ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ: " لَوْ وُلِدَ أَخْرَسُ لَكَانَ خَيْرًا لَهُ "، وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: " لَا شَيْءَ "، وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ: " هُوَ ضَعِيفٌ "، وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: " رَجُلُ سُوءٍ "، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ وَأَبُو زُرْعَةَ: " مُنْكَرُ الْحَدِيثِ ".

وَكَذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْآثَارِ فَإِنَّهُ قَدْ ذَكَرَ آثَارًا حَسَنَةً، بِأَسَانِيدَ حَسَنَةٍ، مِثْلَ مَا رَوَاهُ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيِّ أَنَّهُ قَالَ: «إذَا سَلَا الْعَبْدُ عَنْ الشَّهَوَاتِ فَهُوَ رَاضٍ» ، فَإِنَّ هَذَا رَوَاهُ عَنْ شَيْخِهِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ بِإِسْنَادِهِ، وَالشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَانَتْ لَهُ عِنَايَةٌ بِجَمْعِ كَلَامِ هَؤُلَاءِ الْمَشَايِخِ وَحِكَايَاتِهِمْ، وَصَنَّفَ فِي الْأَسْمَاءِ كِتَابَ " طَبَقَاتُ الصُّوفِيَّةِ ". وَكِتَابِ زُهَّادِ السَّلَفِ "، وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَصَنَّفَ فِي الْأَبْوَابِ كِتَابَ " مَقَامَاتُ الْأَوْلِيَاءِ "، وَغَيْرَ ذَلِكَ، وَمُصَنَّفَاتُهُ تَشْتَمِلُ عَلَى الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>