وَذَكَرَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْت النَّصْرَ آبَادِي يَقُولُ: " مَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْلُغَ مَحَلَّ الرِّضَا فَلْيَلْزَمْ مَا جَعَلَ اللَّهُ رِضَاهُ فِيهِ "، فَإِنَّ هَذَا الْكَلَامَ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ، فَإِنَّهُ مَنْ لَزِمَ مَا يُرْضِي اللَّهَ مِنْ امْتِثَالِ أَوَامِرِهِ، وَاجْتِنَابِ نَوَاهِيهِ لَا سِيَّمَا إذَا قَامَ بِوَاجِبِهَا وَمُسْتَحَبِّهَا، فَإِنَّ اللَّهَ يَرْضَى عَنْهُ، كَمَا أَنَّ مَنْ لَزِمَ مَحْبُوبَاتِ الْحَقِّ أَحَبَّهُ اللَّهُ، كَمَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي فِي الْبُخَارِيِّ «مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ بَارَزَنِي بِالْمُحَارَبَةِ، وَمَا تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدٌ بِمِثْلِ أَدَاءِ مَا افْتَرَضْت عَلَيْهِ، وَلَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْته» الْحَدِيثَ.
وَذَلِكَ أَنَّ الرِّضَا نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا: الرِّضَا بِفِعْلِ مَا أَمَرَ بِهِ وَتَرْكِ مَا نَهَى عَنْهُ، وَيَتَنَاوَلُ مَا أَبَاحَهُ اللَّهُ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ إلَى الْمَحْظُورِ كَمَا قَالَ: {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ} [التوبة: ٦٢] .
وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ} [التوبة: ٥٩] . وَهَذَا الرِّضَا وَاجِبٌ، وَلِهَذَا ذُمَّ مَنْ تَرَكَهُ بِقَوْلِهِ: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ} [التوبة: ٥٨] {وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ} [التوبة: ٥٩] .
وَالنَّوْعُ الثَّانِي: الرِّضَا بِالْمَصَائِبِ، كَالْفَقْرِ وَالْمَرَضِ وَالذُّلِّ، فَهَذَا الرِّضَا مُسْتَحَبٌّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ وَاجِبٌ، وَالصَّحِيحُ: أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الصَّبْرُ، كَمَا قَالَ الْحَسَنُ: " الرِّضَا غَرِيزَةٌ، وَلَكِنَّ الصَّبْرَ مِعْوَلُ الْمُؤْمِنِ "، وَقَدْ رُوِيَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنْ اسْتَطَعْت أَنْ تَعْمَلَ بِالرِّضَا مَعَ الْيَقِينِ، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَإِنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُ خَيْرًا كَثِيرًا» .
وَأَمَّا الرِّضَا بِالْكُفْرِ وَالْفُسُوقِ وَالْعِصْيَانِ، فَاَلَّذِي عَلَيْهِ أَئِمَّةُ الدِّينِ أَنَّهُ لَا يَرْضَى بِذَلِكَ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَاهُ كَمَا قَالَ: {وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} [الزمر: ٧] . وَقَالَ: {وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [البقرة: ٢٠٥]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute