للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّ الرَّبَّ الْخَالِقَ أَوْلَى بِأَنْ يُنَزَّهَ عَنْ الْأُمُورِ النَّاقِصَةِ مِنْكُمْ، فَكَيْفَ تَجْعَلُونَ لَهُ مَا تَكْرَهُونَ أَنْ يَكُونَ لَكُمْ، وَتَسْتَخْفُونَ مِنْ إضَافَتِهِ إلَيْكُمْ، مَعَ أَنَّهُ وَاقِعٌ لَا مَحَالَةَ، وَلَا تَنْزِعُونَهُ عَنْ ذَلِكَ وَتَنْفُونَهُ عَنْهُ، وَهُوَ أَحَقُّ بِنَفْيِ الْمَكْرُوهَاتِ الْمُنْقَصَاتِ مِنْكُمْ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي التَّوْحِيدِ: {ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ} [الروم: ٢٨] ، أَيْ: كَخِيفَةِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا، كَمَا فِي قَوْلِهِ: {ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ} [البقرة: ٨٥] ، وَفِي قَوْلِهِ: {لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا} [النور: ١٢] وَفِي قَوْلِهِ: {وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ} [الحجرات: ١١] .

وَفِي قَوْلِهِ: {فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [البقرة: ٥٤] ، وَفِي قَوْلِهِ: {وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ} [البقرة: ٨٤] ، فَإِنَّ الْمُرَادَ فِي هَذَا كُلِّهِ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ. فَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّ الْمَخْلُوقَ لَا يَكُونُ مَمْلُوكُهُ شَرِيكَهُ فِيمَا لَهُ حَتَّى يَخَافَ مَمْلُوكَهُ، كَمَا يَخَافُ نَظِيرَهُ، بَلْ تَمْتَنِعُونَ أَنْ يَكُونَ الْمَمْلُوكُ لَكُمْ نَظِيرًا، فَكَيْفَ تَرْضَوْنَ لِي أَنْ تَجْعَلُوا مَا هُوَ مَخْلُوقِي وَمَمْلُوكِي شَرِيكًا لِي، يُدْعَى وَيُعْبَدُ كَمَا أُدْعَى وَأُعْبَدُ، كَمَا كَانُوا يَقُولُونَ فِي تَلْبِيَتِهِمْ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَك، إلَّا شَرِيكٌ هُوَ لَك تَمْلِكُهُ وَمَا مَلَكَ. وَهَذَا بَابٌ وَاسِعٌ عَظِيمٌ جِدًّا لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهُ، وَإِنَّمَا الْغَرَضُ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ فِي الْقُرْآنِ وَالْحِكْمَةِ النَّبَوِيَّةِ عَامَّةَ أُصُولِ الدِّينِ مِنْ الْمَسَائِلِ وَالدَّلَائِلِ الَّتِي تُسْتَحَقُّ أَنْ تَكُونَ أُصُولَ الدِّينِ.

وَأَمَّا مَا يُدْخِلُهُ بَعْضُ النَّاسِ فِي هَذَا الْمُسَمَّى مِنْ الْبَاطِلِ فَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ، وَإِنْ أَدْخَلَهُ فِيهِ، مِثْلُ الْمَسَائِلِ وَالدَّلَائِلِ الْفَاسِدَةِ، مِثْلُ نَفْيِ الصِّفَاتِ وَالْقَدَرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>