عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ» . وَفِي رِوَايَةٍ: «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ» وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: «قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اَفْتِنَا فِي شَرَابَيْنِ كُنَّا نَصْنَعُهُمَا بِالْيَمَنِ: الْبِتْعُ، وَهُوَ مِنْ الْعَسَلِ، يُنْبَذُ حَتَّى يَشْتَدَّ، وَالْمِزْرُ: وَهُوَ مِنْ الذُّرَةِ وَالشَّعِيرِ، يُنْبَذُ حَتَّى يَشْتَدَّ؟ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أُعْطِيَ جَوَامِعَ الْكَلِمِ، فَقَالَ: كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ» .
وَكَذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْبِتْعِ. وَهُوَ نَبِيذُ الْعَسَلِ - وَكَانَ أَهْلُ الْيَمَنِ يَشْرَبُونَهُ، فَقَالَ: كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ» وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، وَالنَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُمَا: عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَجُلًا مِنْ حُبْشَانَ مِنْ الْيَمَنِ «سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ شَرَابٍ يَشْرَبُونَهُ بِأَرْضِهِمْ مِنْ الذُّرَةِ، يُقَالُ لَهُ: الْمِزْرُ، فَقَالَ: أَمُسْكِرٌ هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ: كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، إنَّ عَلَى اللَّهِ عَهْدًا لِمَنْ شَرِبَ الْمُسْكِرَ أَنْ يُسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ» الْحَدِيثَ. فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ الْمُسْتَفِيضَةُ صَرِيحَةٌ بِأَنَّ كُلَّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، وَأَنَّهُ خَمْرٌ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ كَانَ، وَلَا يَجُوزُ التَّدَاوِي بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ.
وَأَمَّا قَوْلُ الْأَطِبَّاءِ: إنَّهُ لَا يَبْرَأُ مِنْ هَذَا الْمَرَضِ إلَّا بِهَذَا الدَّوَاءِ الْمُعَيَّنِ. فَهَذَا قَوْلُ جَاهِلً، لَا يَقُولُهُ مَنْ يَعْلَمُ الطِّبَّ أَصْلًا، فَضْلًا عَمَّنْ يَعْرِفُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَإِنَّ الشِّفَاءَ لَيْسَ فِي سَبَبٍ مُعَيَّنٍ يُوجِبُهُ فِي الْعَادَةِ، كَمَا لِلشِّبَعِ سَبَبٌ مُعَيَّنٌ يُوجِبُهُ فِي الْعَادَةِ، إذْ مِنْ النَّاسِ مَنْ يُشْفِيهِ اللَّهُ بِلَا دَوَاءٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُشْفِيهِ اللَّهُ بِالْأَدْوِيَةِ الْجُثْمَانِيَّةِ، حَلَالِهَا وَحَرَامِهَا، وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ فَلَا يَحْصُلُ الشِّفَاءُ لِفَوَاتِ شَرْطٍ، أَوْ لِوُجُودِ مَانِعٍ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْأَكْلِ فَإِنَّهُ سَبَبٌ لِلشِّبَعِ. وَلِهَذَا أَبَاحَ اللَّهُ لِلْمُضْطَرِّ الْخَبَائِثَ أَنْ يَأْكُلَهَا عِنْدَ الِاضْطِرَارِ إلَيْهَا فِي الْمَخْمَصَةِ، فَإِنَّ الْجُوعَ يَزُولُ بِهَا، وَلَا يَزُولُ بِغَيْرِهَا، بَلْ يَمُوتُ أَوْ يَمْرَضُ مِنْ الْجُوعِ، فَلَمَّا تَعَيَّنَتْ طَرِيقًا إلَى الْمَقْصُودِ أَبَاحَهَا اللَّهُ، بِخِلَافِ الْأَدْوِيَةِ الْخَبِيثَةِ.
بَلْ قَدْ قِيلَ: مَنْ اسْتَشْفَى بِالْأَدْوِيَةِ الْخَبِيثَةِ كَانَ دَلِيلًا عَلَى مَرَضٍ فِي قَلْبِهِ، وَذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute